‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 20 فبراير 2014

القيء و آلام أخرى

كان مشهداً واحداً في في فيلمAnti-Christ  للمخرج الدانماركي لارس فون تراير كفيلاً بان يجعلني اشعر بدوار واتجه مباشرة الى الحمام. تقيأت.
وفجأة عادت ذكريات القيء. هذا الصديق الذي رافقني لفترات طويلة. فآلام المعدة المزمنة التي تتفاعل حين تضطرب اعصاب المعدة كانت محرضاً للتقيؤ المستمر.
كنا نجلس في مطعم جنوب-افريقي في الخرطوم. الاكل المكسيكي الحار و حرارة الخرطوم الجافة مساءً واعصابي تضطرب لوجودي مع اشخاص غير مناسبين كالعادة. تركت السندويش من يدي واتجهت الى الحمام. تقيأت.
الطعام الحار وخاصة الهندي احبه. ظللت آكل "التيكا ماسالا" حتى اتيت بيروت مصاباً ب"البواسير". ولم ارتح الا بعملية. دم يقطر من مؤخرتي وانا اركض في فردان حتى اصل الى الشقة.
كنا نحضر حفل "مشروع ليلى" في جبيل مع مجموعة من الاصدقاء. لم اكن مرتاحاً نفسياً. شربت كأس تيكيلا واحد  في حانة في سوق جبيل الاثري فذهبت الى وراء احدى السيارات وتقيأت.
ليلة رأس السنة كنت اقضيها وحيداً. اشاهد التلفاز. قلت اشرب القليل من الويسكي مع اني لا احبها. تقيأت.
قال لي صديقي السوداني: خذ جرب الساعوط (تبغ شبيه بالقات اليمني). لم يكن جسمي معتاداً النيكوتين. ما ان وضعته تحت لساني حتى شعرت بدوار. كان يقود السيارة . قلت له: "قف جانبا". تقيأت.
قلت لها مراراً تصريحاً وتلميحاً: احبك. قالت انا لا احبك. تقيأت.
شربنا الكثير من الفودكا يومها. كنا خمسة اصدقاء. شربنا حتى ثملنا ودخنا سيجار الكوهيبا. ضحكت كثيراً. وحين اضحك كثيراً تتحرك آلام المعدة مع الخمر. تقيأت.



كنا خمسة من بقي بعد ان تركنا الباقون. اصبح لديهم اموال وسيارات فيما استمرينا على فقرنا وغباءنا. كان احدهم صديقاً عزيزاً نسهر معه يومياً لنمارس السخرية اليومية.افترق عنا والتحق ب"بوطة" اخرى. مر بسيارته يوماً :
-         "تفضل استاذ احسان، افلا تسهر معنا؟"
-         "علي ان ادرس". 
رفضت عرضه بطريقتي المعتادة. اختراع حجج للتهرب من صخب السهرات ومن المنافقين. لست افهم ماذا يفعلون في سهرات الصخب. من يسمع من في النهاية.
هي عادة مزمنة اخرى. كره السهرات الصاخبة. كنت في بداية الشباب حين ذهبت مع اترابي الى كذا سهرة حاولت ان اندمج في هذا المجتمع المنافق غصباً عني. لم استطع. ذهبت مرة الى سهرة ديسكو اقامها الشيوعيين آنذاك. كنت في بداية المراهقة. لم استطع البقاء. كنت قد دفعت 10$ (كانت تحكي) رسم دخول على ان آكل قطعة من ال"غاتو". لم استطع ان ابقى. تركت الحفل قبل ان يقطعوا قالب الحلوى.  بعدها حاولت مرات كثيرة. اذهب مع ال"بوطة". احاول ان احرك جثتي الهامدة. لا احب الرقص. هذا فضلاً عن ان اعز اصدقائي لم يكن يحب الرقص. لم يكن له هدف في الحياة سوى السخرية. فيسخر منا دائماً. تركنا الرقص. وتركنا السهرات. وبتنا نعيش السخرية. اعشق السخرية.
على سيرة ال 10$ التي كانت ربما مصروف شهري آنذاك. اقتصد فيها. اذكر اني كنت اسير من مستديرة الصالومي الى مستديرة الحايك مررت بسناك لم يكن لدي الاموال الكافية لاكل سندويش فعدت خائباً الى القرية.
حاولت العمل في شركة احصائيات. درت في قرية رأس المتن من اولها الى آخرها ولم يعطوني سوى 20$. في احد المطاعم في بحمدون قال لي النادل : انت خرج مكاتب مش خرج مطاعم فعدت خائباً.
لم اكن احب القيادة ايضاً. المحاولات دائماً ما تبوء بالفشل. كنت مهجوساً. غداً مفروض علي ان اقود السيارة من قلب الخرطوم الى احدى الضواحي. فادرس الطريق ولكن كل هذا لم ينفع.
صوت ارتطام السيارة بدولاب الشاحنة الكبيرة لا يزال هنا. كاد صديقاي يموتان لولا حسن الحظ. تابعنا يومنا في المخفر. كنت كالغريب في رواية كامو انتظر المحقق. مشهد في قمة العبثية. جلسنا خارجاً نشرب الكركدي من عند ست الشاي.
ثم لست ادري كيف بدأت اقود في لبنان. تجرأت ونزلت بالسيارة الى بيروت. ولكن الكوميديا السوداء حين لا تجد موقفاً او لا تعرف كيف تركن او تقف عند جسر الدورة لعطل ما او ان يتصل بك احدهم في السابعة صباحاً "تعا زيح سيارتك. صافف على باب الورشة " .  
ثم كان مشهد سيارتي تتزحلق وتدور دورتين ثم ترتطم بحائط الاوتوستراد كافياً للقرار. لم اعتزل ولكنني ابتعدت. فالغباء في القيادة يضاف اليها شح النظر والاموال المهدورة على شيء لا تستفيد منه كافية لاخذ قرار كهذا.
لم احب الكثير من الاشياء. لا احب المجتمع. حقد تجذر على النفاق والدجل. ثم تمرست اكثر في الحقد عند دراسة طبيعة هذا المجتمع البطريركي. هشام شرابي يفسر الكبت ومنه ننتقل الى مدرسة فرانكفورت. كبت جنسي. كبت يدفع الشباب الى حلول بشعة كارتياد المواخير في حال توفرت النقود ولكن حين لا تتوفر النقود نستورد البورنو من الغرب. كبت يحتاج الى تفريغ. وفي قمة العبثية ان تضاجع احداهن فيما ذهنك معلق مع عزيز يقبع في المستشفى في حالة صحية خطرة. صلة غرائبية دائماً بين الجنس والموت.
كبت عاطفي ايضاً. لا احب عامة. هو نقص في العاطفة. قلة العلاقات العاطفية مع النساء من جهة وحتى العاطفة العائلية قليلاً ما تظهر.  صدمات عاطفية تجعلك تتراجع. يظهر الجبن. هذا الجبن وضعف الشخصية عائد الى الطفولة ربما. والدي ضربني فقط مرتين او ثلاث ربما. كانت كافية ايضاً لتثبيت الجبن. ثم تاتي الصدمات العاطفية لتزيد الجبن جبناً.
حين اتيت لاقول لها احبك وقبل ان اقول كانت تقول لي انها تعرفت على شاب تبين لاحقاً انه معتوه. سحقاً. ما الذي اعجبك فيه. ولكن لحسن الحظ اني اكتشفت لاحقاً صوابية التردد احياناً ينقذك من سقطات كثيرة.
مرت سنين حتى اتت تلك الفتاة لتتجرأ هي وتقول احبك. ولكن تبين ان لديها امراضاً نفسية مزمنة.
وحين بدأت مؤخراً كسر هذه الحلقة. اظهار القليل من العاطفة. احاول ولكني اكتشف رعونتي في الخيارات. ايضاً اعيد التأكيد ان التردد فضيلة.
وفي غمرة الفشل والالم، ومن اعماق القيء والدماء، ولكي ننتقم من عبثية العالم. بتنا نضحك لنخبأ آلامنا.
لم يبق لدي الا السخرية هي الصديق الآخر الذي رافقني. لم يكن هناك من ملجأ آخر للهرب من قسوة الحياة. نسهر يومياً ونضحك. نضحك على القرية، على الناس، واخيراً نضحك على بعضنا وكل منا يضحك على نفسه. لا نستنثني احداً.
اثمل واسخر واضحك كي انسى.


                                                             

الخميس، 5 سبتمبر 2013

وحيداً حتى الموت

الطقس كان ربيعياً، وكانت هناك دعوة لاعتصام من الحزب. اتجه الى مكان الاعتصام فرآها. هي ذات الفتاة التي كان يراها في البناية التي يمر عليها يومياً. ولكنها لم تبادله يوماً تحية. يومها ابتسمت له برغم تكبرها. ولكنهما لم يتحادثان.
في اليوم التالي، وفي طريقه الى عمله لتوزيع الصحف اليومية التقى بها في مصعد البناية فتحادثا سريعاً وتأكد انها رفيقته في الحزب. 
كانت تعمل مهندسة مدنية في شركة من اكبر الشرك في البلاد. فتاة جميلة وذكية ولكنها كانت متكبرة.
تتالت لقاءاته بها في البناية او في مناسبات حزبية. انكسر تكبرها قليلاً. وباتت تبتسم لمزحاته الخفيفة. 
كان منذ البداية يحس بشعور ما تجاهها ولكنه لم يود ان يصارحها به. لانه يعرف مدى ضعفه ومدى قوتها. فهو يعمل في مهنة متواضعة و احواله المادية سيئة وينحدر من عائلة فقيرة. فيما هي تنتمي الى عائلة بورجوازية ووضعها المادي ممتاز. 
في يوم من الايام كان هناك دعوة الى مظاهرة للحزب. تحادثا سوياً عن نيتهما الذهاب وبما انه لم يكن يمتلك سيارة دعته الى مرافقتها في سيارتها. فوافق بكل سرور. 
كان يفكر ان يغتنم الفرصة ليخبرها بشعوره المتأجج رغم تردده وخجله الدائم. ولكنه لم يستطع ان يخفي شعوره فقد كان يحترق من الداخل. 
حين صعدا في السيارة وبعد نقاش سياسي. وبعد ان حول النقاش. فاتحها بشعوره بشكل مفاجئ. ساد جو من الصمت لبرهة. ثم قالت له انها مرتبطة. صمت واحمر من الخجل.
عاد الى البيت. امعاءه مضطربة. تقيأ ساندويش الشاورما التي اكلها من احد المطاعم الشعبية. لم ينم ليلتها. سيطر عليه الارق. كيف تكون مرتبطة وهو لم يرها يوماً مع احد. لا بد انها رفضت لان شيئاً ما لا يعجبها فيه ربما اوضاعه البائسة.
استمر في رؤيتها يومياً في طريقه الى العمل ولكن الحديث بينهما اقتصر على تبادل التحية.
انتهت قصتهما عند هذا الحد. كانت هي تستمر بحياتها بشكل طبيعي. اما هو فكان يفتش عن فتاة اخرى ربما تكون اكثر تواضعاً او اكثر وداً.
تعرف الى فتاة تعمل في خدمة التنظيف في نفس البناية التي تعمل فيها المهندسة. وبعد شهور من التقارب بينهما. اكتشف مدى لطفها رغم انها لم تكن بنفس الجمال. ولكنه لم يشأ ان يصارحها بشعوره. فالجرح في قلبه كان عميقاً. فضل ان يستمر في وحدته.
كانت وحدته خلاصه. بها يرتاح من ظلم العالم الخارجي. فاستمر وحيداً.
بعد دخول الاجتياح الاسرائيلي الى بيروت تطوع كرفاقه في المقاومة. كانت خيباته العاطفية دافعاً اضافياً الى حب للحزب والمقاومة.
وبعد عمل مقاوم استشهد في احدى العمليات في الجنوب
يقال انها بكته قليلاً. ولكنه مات. 

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

الزنزانة

- كان الوقت ليلاً حين تم اقتياده الى السجن في تلك الجزيرة المعزولة عن العالم. ومنذ البداية تم وضعه في زنزانة انفرادية.
لم يكن يتكلم كثيراً مع باقي السجناء ولم يفصح لهم عن التهمة. بعضهم قال انه متهم بالانتماء الى تنظيم يساري محظور. آخرون قالوا انه متهم باغتصاب فتاة قاصر و آخرون قالوا انه متهم بقتل امراة عجوز ودهسها بسيارته عن طريق الخطأ.
كانت الزنزانة في البداية مكاناً جميلاً بالنسبة له اراحه من هموم العالم الخارجي وكل التفاصيل التافهة. رويداً رويداً بدأ يحس بثقل الوقت في الزنزانة . بدا يشعر بالروتين القاتل.
كان السجان يفرض عليهم الاستيقاظ في الساعة السادسة حيث يقدم لهم الفطور المعتاد المكون من رغيف خبز و القليل من الزعتر. ثم يتم نقلهم الى احد المواقع خارج السجن حيث يفرض عليهم العمل الشاق من السابعة حتى الثانية ظهراً في الحفر و البناء. ثم تتم اعادتهم الى السجن . يقدم لهم الغداء . ثم يمكنهم اخذ استراحة في باحة السجن الخارجية او استقبال زيارات الاهل والاصدقاء. بعدها يقدم لهم العشاء الخفيف ثم يجبرون على النوم في الساعة السادسة. 
كان هذا الروتين يقتله وزاد عليه الممارسات التسلطية لآمر السجن حيث كان يعرضهم للاذلال والضرب والصراخ . اما زملائه المسجونين فاحدهم كان متهماً بالعمالة لاسرائيل  وآخر كان متهماً بالشذوذ الجنسي وثالث متهم بالسرقة والاختلاس الى غيرهم من اصناف المجرمين. 
عبر قصاصات الجرائد تناهت الى اسماعه اخبار الثورات العربية. وما اثاره بشكل كبير شعار: "الموت ولا المذلة". فبدأ يحلم بالحرية.
الى ان قامت مجموعة من الثوار باقتحام السجن واطلاق المساجين. 
حين خرج من السجن الى فضاء الحرية لم يزر اهله ولا حبيبته. حزم حقائبه وسافر الى دولة غربية كي ينسى ظلام الزنازين.

الجمعة، 19 أغسطس 2011

الانفجار



دوى في الساعة العاشرة مساءاً انفجار في احدى المناطق اللبنانية مستهدفاً شخصاً مجهول الهوية. وعلى الفور حضرت الى مكان الحادث القوى الامنية وباشرت التحقيقات. وقد تم التأكد من ان الانفجار قد تم بواسطة عبوة ناسفة لم يتم تحديد زنتها. كذلك حضر الى مكان الحادث فرق تابعة للدفاع المدني والصليب الاحمر. وهرعت الى الموقع وسائل الاعلام المختلفة.
ولم يعرف حتى الآن مسببات هذا الحادث على الرغم من ورود اتصال الى احدى وكالات الانباء من قبل احدى الجماعات التي اعلنت تبنيها هذه العملية واصفة الشخص المستهدف بالكافر والخائن.
فيما اكدت اذاعة تابعة لاحد الاحزاب ان الشخص المستهدف هو مناضل في صفوفها وقد تم اغتياله بسبب افكاره التقدمية. ودعى الحزب جميع اعضائه ومناصريه الى المشاركة في تشييع الشهيد الى مثواه الاخير غداً في مأتم شعبي حاشد يقام له. واعلنت ان هذا اليوم سيصبح ذكرى سنوية تخليداً للشهيد وسيصبح ضريحة محجة لكل الرفاق.
فيما اعتبر تنظيم ثاني ان الشهيد هو عضو فاعل فيه وانه كان في طريقه لتنفيذ عملية استشهادية بعد التوتر الذي ساد خلال الايام الماضية ولكن التفجير حصل نتيجة خلل ما في العبوة.وقد بث التنظيم تسجيلاً صوتياً للاستشهادي الذي كان سيبث بعد تنفيذ العملية.
بعض وسائل الاعلام تناقلت شائعات مختلفة منها ان الشخص المذكور انتحر لانه كان يعاني من العجز او الكبت الجنسي. فيما اكد آخرون ان الشخص المذكور انتحر لانه كان يعاني من مرض نفسي.
على كل حال تبقى كل هذه تكهنات بانتظار ان يتقدم التحقيق ويتم كشف الحقيقة كاملة.

الأربعاء، 6 أبريل 2011

عاهرات وعبد فقير


المشهد الاول
كانت ليلة حارة من ليالي الصيف في لبنان . جيفري فيلتمان جالس في مقر سفارته في عوكر يشرب البيرة ويملي على موظفة في السفارة مجموعة من الرسائل ليتم توجيهها الى واشنطن

Hariri: Give me a chance & I will fuck Hezbollah

 محمد جواد خليفة: نصر اللّه يظنّ نفسه أكبر من صلاح الدين

 حذار ضرب المناطق المسيحية كجونيه وغيرها فبذلك نقطع الطريق الى جعجع والبطريرك

 الجميّل: نصر اللّه خدع كلّ لبنان وانتصار حزب اللّه كارثة

 حمادة: قد تكون هناك حاجة لمزيد من الدمار

 مسيحيو 14 آذار: أطيلوا أمد الحرب

 حمادة للحريري: لا تعد وإلا حاصرك 20 ألف لاجئ متسوّل

 سهرة الفودكا مع لارسن: جنبلاط وحمادة وصرخة اُغزوا بلادَنا

 حرب: لتسيطر إسرائيل على بنت جبيل ومارون الراس قبل وقف النار

 حرب: لا يمكن نصر الله أن يصبح رامبو

 إيمييه: «14 آذار» تريد من إسرائيل القيام بـالعمل القذر

 جنبلاط: سعد بخيل ونحتاج إلى المال لا إلى الديموقراطية وطلبت منه اعطائي مليون دولار وذيلت الرسالة بالعبد الفقير

حمادة: كالعاهرات نتذكّر من يـعطي المال لا من يبني الجسور

 جعجع: لديّ 10 آلاف مقاتل جاهزون لقتال حزب الله


تتوقف الموظفة عن الكتابة . تصدر قهقهات متقطعة من الغرفة



المشهد الثاني



كانت الساعة تؤشر الى الثامنة مساءاً ، في يوم من ايام آب 2006 . كان علي لا يزال موجوداً في خندقه على الرغم من انتهاء الحرب . يفتح المذياع ليستمع لموجز الاخبار . ثم يشعل سيجارة ليمجها مع فنجان الشاي الذي حضره للتو ، يتذكر زينب ، ها قد مضى اكثر من شهر ولم يرها . ولكنه سيراها حينما يخرج ، هو سيحظى بهذه الفرصة على الاقل ، على عكس صديقه احمد الذي استشهد قبل اسبوعين تاركاً وراءه زوجته واولاده الثلاثة . يكفكف الدموع التي انهمرت على خده المغبرة . يتذكر احمد ويستلقي ليستمع الى اجزاء من السيرة الحسينية تبثها الاذاعة.

المشهد الثالث



طه ، كان عائداً من عمله في ورشة النجارة ، ابن الخمسة عشر ربيعاً ، يدخل بيته المكون من غرفتين وحمام ، يتكوم في داخله سبعة من اخوته واخواته فضلاً عن ابويه وجدته . يأكل بسرعة صحناً من البرغل ، ثم يتوجه الى المسجد المجاور لبيته في التبانة ، الحي الطرابلسي الفقير . انه يعمل منذ سنتين لقاء اجر زهيد ليعود ويتكدس في تلك الكومة من القذارة التي يسمونها بيتاً . كاد ان يصل به الامر الى الكفر لولا هداه الله الى ذلك الشيخ السلفي الذي يعظهم يومياً في مسجد الحي

المشهد الرابع



 يرن هاتف كارول : " آلو "

 " آلو حياتي "

 " كيفك "

 " ماشي الحال "
 "اين السهرة اليوم "

 "مونو او الكسليك "

 "تعا ومنشوف "

تغلق السماعة

المشهد الخامس

 
- كان شوقي ذلك الرجل الخمسيني ، عائداً من الحقل بعد ان ملاً دلواً من العنب الاسود . يضعه عند مدخل البيت . يخرج الى الشرفة ليقابل اخيه يوسف . يسلمان على بعضهما

 لدينا عمل في البقاع غداً

 والطريق آمنة

 آمنة ، الحرب انتهت

 والاسرائيليين ؟

 الاسرائيليين لا يستهدفون اياً كان

وما ادراك ؟

خلص ، اتكل على الله

المشهد الاخير



 الساعة كانت تقترب من الخامسة فجراً 

علي ، كان ينتظر سيارة لتقله باكراً الى الضاحية

طه كان يستعد لصلاة الفجر ، قبل ان يكدح الى عمله

شوقي كان يدير محرك شاحنته

كارول كانت عائدة ثملة من تلك الحفلة الطويلة

فيلتمان كان يغط في نوم عميق






الجمعة، 17 سبتمبر 2010

ذاكرة لن تموت




- ضجيج ، ضوضاء . صوت الرصاص يئز في اذنيه . يلتقط رشاشه ويختبئ خلف صخرة كبيرة . يلقي نظرة على الجهة المقابلة حيث سقط رفيقه "ابو علي " مضرجاً بالدماء . مروحية العدو الاسرائيلي تحلق في الاجواء وتلقي قذائفها . هديرها يصم الآذان . مدافع العملاء اللحديين تدك منطقة الاشتباك ....
فجأة يحس بحرارة تسري في انحاء جسده . هوذا الدم النازف يبلل سترته العسكرية ويغطي شعار "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية " بالاحمر القاني .
يكاد يغمى عليه ...يلتقط انفاسه....
- كان لا يزال يافعاً حين وقعت عيناه على ذاك الكتاب ولم يكن الا "البيان الشيوعي" بالفرنسية في مكتبة جده الكتائبي في قرية من قرى المتن . قرأه و ازداد شغفه بالمعرفة فطالع الكثير من المؤلفات اليسارية حتى اصبح شيوعياً يخط المنجل والمطرقة على جدران وطاولات مدرسة الراهبات حيث تلقى علومه الثانوية ..
- يحاول المضي بضعة امتار الى مغارة قريبة .. يعرف هذه الارض جيداً فقد تدرب في ارجائها سابقاً في مخيمات عسكرية فلسطينية .... يصل المغارة متأبطاً رشاشه الفارغ من الذخيرة .. يرتشف قطرات ماء من مطرته العسكرية ....
- يتذكر لقاءه باحد رفاقه في الجامعة الذي كان قيادياً في منظمة العمل الشيوعي و كيف اقنعه بالانتساب اليها ... فراح يشارك في مظاهرات مختلفة ... تارة يتضامن مع الثورة الفلسطينية و طوراً مع عمال التبغ وغندور .... تارة يحضر اجتماعات وطوراً يشارك في مخيمات .... حينها طرده والده من البيت فما كان به الا ان انتقل الى منزل رفيقه في الحمرا ..
- يجمع جهوده ويستلقي على عشب خفيف تكوم عند زاوية المغارة المظلمة ....و كانت خيوط الفجر قد بدأت تتسلل الى داخلها رويداً رويداً ......
- يستذكر حروب بيروت المتنقلة ... لم يترك محوراً لم يشارك فيه ... من الشياح الى الفنادق ... هناك احتلوا الهوليداي ان وشربوا خموراً لم يذوقوها سابقاً في ذلك البار الفخم ...
يستذكر ايام الاجتياح الاسرائيلي الاول عام 1978 كيف توجه على رأس فرقة عسكرية لبنانية – فلسطينية مشتركة الى قلعة الشقيف ... رابضوا هناك لفترة قبل ان تاتيهم اوامر الانسحاب ....
- صوت اللاسلكي يردد على مسامعه كلمات غير مفهومة وتشويش ... يبصق كمية من الدماء .... يحاول التقاط اللاسلكي ولكن الكلمات تخونه... كم يكثر الخونة في اللحظات الحاسمة ...
- يستذكر اجتياح 1982 بعد ان سقطت بيروت وغادرت المقاومة الفلسطينية ... حاول العودة الى قريته ليرى امه المريضة .. لم يمكث في البيت اكثر من خمس دقائق قبل ان تعتقله قوات الفاشيين ... عذبوه وضربوه وسجنوه لسبعة اشهر ولم يخرج الا بعد انتفاضة 6 شباط 1983 ... و هددوه بالا يعود والا كان مصيره اكثر سواداً ...
- عاد الى بيروت الغربية وسافر وامل )التي تعرف عليها في مخيم لاتحاد الشباب الديموقراطي ) الى قبرص هناك تزوجا زواجاً مدنياً ...
- فجأة يحس بضيق في التنفس يزداد ... يتذكر ابو علي رفيق اللحظات الاخيرة .... يحاول ان ينهض عبثاً .. فيسقط في الارض .... يحبو قليلاً الى باب المغارة .... ها قد بزغ الفجر .... يغمض عينيه ....

احسان المصري

الثلاثاء، 25 مايو 2010

تلك الحرب ... ذاك الوطن

-1-
كانت الساعة تؤشر الى الثامنة مساءاً ، في يوم من ايام آب 2006 . كان علي لا يزال موجوداً في خندقه على الرغم من انتهاء الحرب . يفتح المذياع ليستمع لموجز الاخبار . ثم يشعل سيجارة ليمجها مع فنجان الشاي الذي حضره للتو ، يتذكر زينب ، ها قد مضى اكثر من شهر ولم يرها . ولكنه سيراها حينما يخرج ، هو سيحظى بهذه الفرصة على الاقل ، على عكس صديقه احمد الذي استشهد قبل اسبوعين تاركاً وراءه زوجته واولاده الثلاثة . يكفكف الدموع التي انهمرت على خده المغبرة . يتذكر احمد ويستلقي ليستمع الى اجزاء من السيرة الحسينية تبثها الاذاعة.
-2-
طه ، كان عائداً من عمله في ورشة النجارة ، ابن الخمسة عشر ربيعاً ، يدخل بيته المكون من غرفتين وحمام ، يتكوم في داخله سبعة من اخوته واخواته فضلاً عن ابويه وجدته . يأكل بسرعة صحناً من البرغل ، ثم يتوجه الى المسجد المجاور لبيته في التبانة ، الحي الطرابلسي الفقير . انه يعمل منذ سنتين لقاء اجر زهيد ليعود ويتكدس في تلك الكومة من القذارة التي يسمونها بيتاً . كاد ان يصل به الامر الى الكفر لولا هداه الله الى ذلك الشيخ السلفي الذي يعظهم يومياً في مسجد الحي .
-3-
يرن هاتف كارول : " آلو "
- " آلو حياتي "
- " كيفك "
- " ماشي الحال "
- "اين السهرة اليوم "
- "مونو او الكسليك "
- "تعا ومنشوف "
تغلق السماعة .
-4-
كان شوقي ذلك الرجل الخمسيني ، عائداً من الحقل بعد ان ملاً دلواً من العنب الاسود . يضعه عند مدخل البيت . يخرج الى الشرفة ليقابل اخيه يوسف . يسلمان على بعضهما .
- لدينا عمل في البقاع غداً .
- والطريق آمنة .
- آمنة ، الحرب انتهت .
- والاسرائيليين ؟
- الاسرائيليين لا يستهدفون اياً كان .
- وما ادراك ؟
- خلص ، اتكل على الله .
-5-
الساعة كانت تقترب من الخامسة فجراً .
علي ، كان ينتظر سيارة لتقله باكراً الى الضاحية .
طه كان يستعد لصلاة الفجر ، قبل ان يكدح الى عمله .
شوقي كان يدير محرك شاحنته ...
كارول كانت عائدة ثملة من تلك الحفلة الطويلة .....