الأحد، 27 أكتوبر 2019

الحراك المحاصر

ها نحن في اليوم الثاني عشر من الثورة ( يمكن ان نسميه حراكاً او انتفاضة  - المهم المضمون) وفي اثنا عشر يوماً مررنا بكثير من التحولات كأنها سنوات تمر. 
ما حفزني على كتابة هذه التدوينة هو التأريخ لمحاولات حصار هذا الحرك الشعبي وقطفه.  بالاضافة الى بروز هجوم من مؤيدي الممانعة على الحراك الشعبي مترافقاً مع اتهام بالعمالة وتلقي التمويل من السفارات و من جمعيات اميركية. 
أولاً، نحب أن نذكر ان هذا الحراك هو حراك مطلبي اساساً ، انطلق من نقمة شعبية على سياسات اقتصادية متوالية منذ ثلاثين عاماً وهو حراك استهدف كل الطبقة السياسية الحاكمة. وكان جمهور حزب الله الذي يعاني كغيره من جماهر ألاحزاب مشاركاُ في الحراك في الايام الاولى مع قطع طرقات في الضاحية وطريق المطار وحارة الناعمة وغيرها... ماذا حصل كي ينسحب جمهور الحزب. 
الذي حصل ان القوات اللبنانية حاولت ركوب الموجة بعد استقالة وزرائها، وان كانت هذه المحاولة فاشلة فانها قد دفعت ببعض الشعارات الى الظهور مثل اضافة "نصر الله واحد منن" الى شعار "كلن يعني كلن" بالاضافة الى الشعارالشاتم لجبران باسيل. أما سامي الجميل، سليل عائلة المشايخ و النواب والوزراء والرؤساء فقد بات ثورجياً في آخر هذا الزمن. 
الاجابة الأولى هي للقوات والكتائب كأحزاب كان منذ البداية "اطلعوا من الخندق"، فأنتم جزء من هذه الطبقة السياسية التي يثور عليها الشعب، انتم مكدسين للأموال ومشاركين في الفساد. 
ثانياً، أدى دخول القوات الى استنفار العونيين بما بين الاثنين من عداوة تاريخية لتصوير الحراك كأنه قوتجي حصراً وكأن أبناء صور وبعلبك وطرابلس قواتيين. وكان هناك تشويه ممنهج للحراك من قبل العونيين. 

 وكان اول من اطلق اتهامات بالتمويل من جورج  سوروس وهو ملياردير اميركي من اصل هنغاري يهودي هو الملحن البذيء سمير صفير. 
ثالثاً، لم يكن خطابا السيد حسن نصرالله الا ليزيدا الطين بلة خاصة أنهما ترافقا مع اعتداءات من جمهور الثنائي الشيعي على متظاهرين من صور الى النبطية وصولاً الى رياض الصلح. على اثر الخطاب وطلب السيد من جمهور الحزب الانسحاب بدأ هجوم ممنهج من قبل صحفيين وجمهور المقاومة على الحراك، بلغ ذروته اليوم مع اتهامات بتمويل من سفارات ومن جمعية "اوتبور" . 
في الرد على هذه الاتهامات أولاً لا يزال الكثير من مؤيدي المقاومة متواجدين في الشوارع ، أما الانسحاب السياسي فهو خطأ تكتيكي سيتيح للأحزاب الأخرى استغلال الموقف. 
ثانياً في ظل تعقيد المشهد اللبناني، أيمكن ان ننفي ان الحراك سيكون معرض لتدخل جهات سواء فضلو خوري وجامعته الاميركية او غيرهم لالقاء خطابات واطلاق شعارات ضد حزب الله. ومن قال اننا نوافق على دخولهم الفج. ومن قال اننا نوافق على دخول القوات والكتائب كأحزاب ومن قال اننا نوافق على بعض مظاهر الحراك من الشتائم الى سهرات السمر في بعض الساحات. ومن قال اننا نوافق على الاستغلال الاعلامي من قبل بعض المحطات للحراك. ولكن كل هؤلاء هم جزء من المشهد اللبناني الذي يدرك حزب الله وغيره صعوبة التعامل معه فكيف الحال بحراك هو حتى الآن من دون قيادة موحدة. 
ثالثاً في الاتهامات الموجهة للحراك بما فيها من اجحاف، هل من حاجة الى أن نذكر من هو الحزب الشيوعي اللبناني وتاريخه في المقاومة (هل يتيح العداء للحراك الاعتداء على أمهات شهداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من قبل بعض الزعران)، هل من حاجة للتذكير بان نائب الشعب أسامة سعد مشارك في الحراك أيضاً الناصري أبن معروف سعد، هل من حاجة للتذكير من هو شربل نحاس ومن غدر به سوى العونيين لأنه رفض سياسات الحريري الاقتصادية في الحكومة. هل من حاجة للتذكير بأن جمهور بعلبك وصيدا وصور والنبطية هو محتضن المقاومة تاريخياً. انسيتم كل الشعارات التي اطلقها هؤلاء واعتصاماتهم امام مصرف لبنان من اجل جملة شعارات من مجموعات قليلة. الشعارات ضد رياض سلامة . و سمير جعجع صهيوني مثالاً. لم تروا حين هتفت طرابلس لجورج ابراهيم عبدالله.
حين تتهمون هؤلاء لا تنسوا مع من انتم متحالفين: 
مع جبران باسيل الذي صرح على قناة الميادين انه لا يعترض لا على السلام و لا على التطبيع
مع زياد اسود الذي دافع عن الفاخوري معذب الأسرى المقاومين في سجن الخيام ( هل بات طبيعياً ان تتهجم مواقع مؤيدة للحزب على الاسير انور ياسين)
هل جوزف ابو فاضل الاسلاموفوبي و حبيب يونس القيادي في حراس الارز هما من اعمدة الممانعة. 
كفى هذه السياسات الملتوية، هل نذكركم أنكم في آخر انتخابات 2016، جمهور المقاومة انتخب في بيروت عن المقعد الانجيلي القس ادغار طرابلسي (أيضاً من قياديي حراس الارز) وتم ازاحة مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد عن هذا المقعد.
اما في خص دعم وليد فارس، مستشار ترامب اليميني القواتي فهو مردود له. ولكن فارس هذا كان هو من قدم الدعم للجنرال عون في فترة قرار ال 1559 وليس حنا غريب. 
على سيرة حنا غريب، الم تتكتل كل قوى السلطة لاسقاطه نقابياً. لقد تحالفتم نقابياً مع القوات والعونيين والمستقبل والاشتراكيين، وكنتم معهم في كل الحكومات ولم يكن هذا الشعب الموجود في الحراك في الحكومة. 
فلنقفل دفاتر التاريخ لاننا في بلد صغير وكلنا نعرف بعضنا البعض.  
اتمنى انكم من أجل مآرب سياسية لن تكونوا مستعدين للتضحية بالحريصين على المقاومة عقائدياً من اجل حفنة من الانتهازيين ومتسلقي المناصب المتقلبين. 
نتمنى للحراك أن يستمر بعيداً عن فضلو خوري و سمير جعجع وسامي الجميل ووليد فارس ولكن ايضاً بعيداً عن الهراوات والتخوين، حتى اسقاط النظام الطائفي و الاقتصادي القائم على النهب. 

الأحد، 20 أكتوبر 2019

تحية الى الثورة اللبنانية: شذرات من سيرة



الشعب، الحلم، هرمنا، بكينا، عكار حين غنت لصور فوق الخلافات المصطنعة، أبناء طرابلس أفقر مدينة متوسطية تخطوا الخلاف المصطنع بين التبانة وجبل محسن، فتاة تركل مرافق الوزير المسلح، شباب الجنوب يتقدمون بقمصان عارية أمام سلاح الميليشيا، صور الأباطرة التي تساقطت والشتائم التي انهالت عليهم، خوفهم لأول مرة من خروج الجمهور جدياً عن طاعتهم، ضحكنا، كيف صنعت الضحكة من القهر، حين يقبلون مراسلة على الهواء مباشرة، يلعبون البينغ بونغ و طاولة النرد جنب الدواليب المحترقة. دبكوا ورقصوا، كأنهم في حفلة. ضحكنا، بكينا ضحكاً. 
تركت الدمع يجري على الورق ليكتب. حرقة السنين في الهجرة تكتب. الأسى في البعد عن الشعب المنتفض يكتب. الأمل في غد أفضل يكتب. 

وأهديكم القبل و الموسيقى والقصائد و أهديكم شهادة الدكتوراه التي أقدمها بعد أسبوعين بعيداً عنكم وعن أهلي. 
أقول لكم ما هي مطالبي التي ذكرها الكثيرون من المتظاهرين: دولة مدنية علمانية ديموقراطية عادلة اجتماعياً، دولة  تؤمن مساعدات من تعليم وطبابة وسكن ونقل عام محترم، دولة في القرن الواحد والعشرين لا يقطع فيها التيار الكهربائي، دولة أجد فيها عملاً بدون واسطة ، دولة تتيح حقوق المرأة باعطاء جنسيتها لأبنائها و حق ألام المطلقة بحضانتها، دولة يمكنني فيها أن أتزوج الفتاة التي أحب مدنياً، حكومة فيها الرجال المناسبين في أماكنهم وهم لا ينقصون، دولة يتوقف فيها النهب والمناقصات والصفقات. 
وأترك لكم الحرية بعد ذاك أن تقرأوا هذه الشذرات من سيرتي الذاتية كيف تقاطعت مع سيرة وطن لم تتح لي الفرصة لأسردها من ساحة رياض الصلح.
بعد أن أنهيت دراستي في الهندسة، كان جل همي أن اجد طريقاً للسفر هرباً كآلاف اللبنانييين من شباب وكهول. وحين تسنت لي أول فرصة ألتقطتها. 
أربع سنوات في السودان الشقيق (الذي أرانا نموذجاً للثورة لاحقاً كي نقتدي بها).  
من بعدها ضرب الحنين وكان زمن ثورات بلاد العرب، قررت أن أعود الى لبنان. 
حاول حينها رفاق من أحزاب يسارية القيام بحراك لاسقاط النظام الطائفي، لم يثمر. كان النظام لا يزال عصياً. 
ثم أتت خيبات الأمل، اخوان مسلمين ثم السيسي في مصر، حروب أهلية في اليمن وليبيا، حرب أقليمية وعالمية في سوريا. تشوهت طموحات العرب. وكان ما كان من صراع يشتد في لبنان بين أقطاب النظام وهم متشاركون. 
شاركت بشكل متواضع مع رفاق كثر في حراكات مستمرة، دعماً لنضالات المعلمين و سلسلة الرتب والرواتب بقيادة النقابي حنا غريب، رفض لتمديد أقطاب السلطة للمجلس النيابي مرتين متواليتين، المطالبة بقانون انتخابي نسبي على أساس دائرة واحدة خارج القيد الطائفي.... كنا بضع مئات أو آلاف في أفضل الحالات. 
من اليأس وبحثاً عن عالم أفضل قررت الهجرة. احتضنتنا فرنسا. كانت أماً حنوناً ، كطالب أجنبي كان لي مساعدة في السكن، تامين طبي شامل، شبكات نقل داخل المدن متطورة بأرخص الأسعار، الخصومات التي تقدم للطلاب ومحدودي الدخل، التعليم شبه المجاني .... كل هذا وأنا الغريب في فرنسا، لم يكن متوفراً لي في بلدي. هل حقاً كنت غريباً في فرنسا أم في لبنان. 
ثم أتت أزمة النفايات، كنت في اجازة وكان أول حراك في رياض الصلح، ذهبت . كنا بضع عشرات وحين عدت الى فرنسا، انتفض الشارع لأول مرة وكان حراكاً كبيراً بدأ يتبلور وان لم يثمر. 
خيبة أخرى. عاد أقطاب النظام و جددوا لنفسهم، توافقوا على عون رئيساً، على قانون انتخابي نسبي طائفي مشوه، اعادة انتاج مجلس نيابي، وبعد سنة من العناء ألفوا حكومتهم الهجينة. 
هذا الصيف كانت خطوبتي، أنا ابن الجبل الدرزي من بنت صور الشيعية. خطوة فردية ولكن في وطننا تكتسي أهمية، أنها خطوة فوق الطوائف. 
رغم ذلك، كانت عودتي صعبة. من غابة الطرقات اليومية الى المجتمع الذي جعلوه ينزعنفاً وصولاً الى الفساد . تلقيت مخالفة سير لأسباب تافهة ولولا المحسوبيات لم أكن لأتخلص من حجز سيارتي، فيما زعران البلد يسرحون ويمرحون وينهبون. كان يأساً كبيراً .
من أسبوعين، بدأت ملامح الانهيار الاقتصادي، انقطاع للبنزين والخبز وارتفاع سعر الصرف وصولاً الى أزمة الحرائق التي أفاضت الكأس 
.
ومن يومين فقط تحرك الشعب، هز عروش زعماء الطوائف ومحرماتهم، هز من يخوفون الناس من بعضها. قال كلمته: كفى الجوع والفقر والمرض فيما السياسيين ومصارفهم وتجارهم يرتعون في القصور. البعد الطبقي كان واضحاً . 
ورغم كل شيء، رغم الاخفاقات الممكنة و الخيبات المبكرة، رغم "العصي في الدواليب" التي يضعها كثيرون، فان الامل كبير بأول مسمار يدك بجدية في بنية النظام، بانتظار سقوطه كاملاً، أهديكم شهادة الدكتوراه التي اقدمها بعد أسبوعين سلف. 

احسان المصري