‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 27 أكتوبر 2019

الحراك المحاصر

ها نحن في اليوم الثاني عشر من الثورة ( يمكن ان نسميه حراكاً او انتفاضة  - المهم المضمون) وفي اثنا عشر يوماً مررنا بكثير من التحولات كأنها سنوات تمر. 
ما حفزني على كتابة هذه التدوينة هو التأريخ لمحاولات حصار هذا الحرك الشعبي وقطفه.  بالاضافة الى بروز هجوم من مؤيدي الممانعة على الحراك الشعبي مترافقاً مع اتهام بالعمالة وتلقي التمويل من السفارات و من جمعيات اميركية. 
أولاً، نحب أن نذكر ان هذا الحراك هو حراك مطلبي اساساً ، انطلق من نقمة شعبية على سياسات اقتصادية متوالية منذ ثلاثين عاماً وهو حراك استهدف كل الطبقة السياسية الحاكمة. وكان جمهور حزب الله الذي يعاني كغيره من جماهر ألاحزاب مشاركاُ في الحراك في الايام الاولى مع قطع طرقات في الضاحية وطريق المطار وحارة الناعمة وغيرها... ماذا حصل كي ينسحب جمهور الحزب. 
الذي حصل ان القوات اللبنانية حاولت ركوب الموجة بعد استقالة وزرائها، وان كانت هذه المحاولة فاشلة فانها قد دفعت ببعض الشعارات الى الظهور مثل اضافة "نصر الله واحد منن" الى شعار "كلن يعني كلن" بالاضافة الى الشعارالشاتم لجبران باسيل. أما سامي الجميل، سليل عائلة المشايخ و النواب والوزراء والرؤساء فقد بات ثورجياً في آخر هذا الزمن. 
الاجابة الأولى هي للقوات والكتائب كأحزاب كان منذ البداية "اطلعوا من الخندق"، فأنتم جزء من هذه الطبقة السياسية التي يثور عليها الشعب، انتم مكدسين للأموال ومشاركين في الفساد. 
ثانياً، أدى دخول القوات الى استنفار العونيين بما بين الاثنين من عداوة تاريخية لتصوير الحراك كأنه قوتجي حصراً وكأن أبناء صور وبعلبك وطرابلس قواتيين. وكان هناك تشويه ممنهج للحراك من قبل العونيين. 

 وكان اول من اطلق اتهامات بالتمويل من جورج  سوروس وهو ملياردير اميركي من اصل هنغاري يهودي هو الملحن البذيء سمير صفير. 
ثالثاً، لم يكن خطابا السيد حسن نصرالله الا ليزيدا الطين بلة خاصة أنهما ترافقا مع اعتداءات من جمهور الثنائي الشيعي على متظاهرين من صور الى النبطية وصولاً الى رياض الصلح. على اثر الخطاب وطلب السيد من جمهور الحزب الانسحاب بدأ هجوم ممنهج من قبل صحفيين وجمهور المقاومة على الحراك، بلغ ذروته اليوم مع اتهامات بتمويل من سفارات ومن جمعية "اوتبور" . 
في الرد على هذه الاتهامات أولاً لا يزال الكثير من مؤيدي المقاومة متواجدين في الشوارع ، أما الانسحاب السياسي فهو خطأ تكتيكي سيتيح للأحزاب الأخرى استغلال الموقف. 
ثانياً في ظل تعقيد المشهد اللبناني، أيمكن ان ننفي ان الحراك سيكون معرض لتدخل جهات سواء فضلو خوري وجامعته الاميركية او غيرهم لالقاء خطابات واطلاق شعارات ضد حزب الله. ومن قال اننا نوافق على دخولهم الفج. ومن قال اننا نوافق على دخول القوات والكتائب كأحزاب ومن قال اننا نوافق على بعض مظاهر الحراك من الشتائم الى سهرات السمر في بعض الساحات. ومن قال اننا نوافق على الاستغلال الاعلامي من قبل بعض المحطات للحراك. ولكن كل هؤلاء هم جزء من المشهد اللبناني الذي يدرك حزب الله وغيره صعوبة التعامل معه فكيف الحال بحراك هو حتى الآن من دون قيادة موحدة. 
ثالثاً في الاتهامات الموجهة للحراك بما فيها من اجحاف، هل من حاجة الى أن نذكر من هو الحزب الشيوعي اللبناني وتاريخه في المقاومة (هل يتيح العداء للحراك الاعتداء على أمهات شهداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من قبل بعض الزعران)، هل من حاجة للتذكير بان نائب الشعب أسامة سعد مشارك في الحراك أيضاً الناصري أبن معروف سعد، هل من حاجة للتذكير من هو شربل نحاس ومن غدر به سوى العونيين لأنه رفض سياسات الحريري الاقتصادية في الحكومة. هل من حاجة للتذكير بأن جمهور بعلبك وصيدا وصور والنبطية هو محتضن المقاومة تاريخياً. انسيتم كل الشعارات التي اطلقها هؤلاء واعتصاماتهم امام مصرف لبنان من اجل جملة شعارات من مجموعات قليلة. الشعارات ضد رياض سلامة . و سمير جعجع صهيوني مثالاً. لم تروا حين هتفت طرابلس لجورج ابراهيم عبدالله.
حين تتهمون هؤلاء لا تنسوا مع من انتم متحالفين: 
مع جبران باسيل الذي صرح على قناة الميادين انه لا يعترض لا على السلام و لا على التطبيع
مع زياد اسود الذي دافع عن الفاخوري معذب الأسرى المقاومين في سجن الخيام ( هل بات طبيعياً ان تتهجم مواقع مؤيدة للحزب على الاسير انور ياسين)
هل جوزف ابو فاضل الاسلاموفوبي و حبيب يونس القيادي في حراس الارز هما من اعمدة الممانعة. 
كفى هذه السياسات الملتوية، هل نذكركم أنكم في آخر انتخابات 2016، جمهور المقاومة انتخب في بيروت عن المقعد الانجيلي القس ادغار طرابلسي (أيضاً من قياديي حراس الارز) وتم ازاحة مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد عن هذا المقعد.
اما في خص دعم وليد فارس، مستشار ترامب اليميني القواتي فهو مردود له. ولكن فارس هذا كان هو من قدم الدعم للجنرال عون في فترة قرار ال 1559 وليس حنا غريب. 
على سيرة حنا غريب، الم تتكتل كل قوى السلطة لاسقاطه نقابياً. لقد تحالفتم نقابياً مع القوات والعونيين والمستقبل والاشتراكيين، وكنتم معهم في كل الحكومات ولم يكن هذا الشعب الموجود في الحراك في الحكومة. 
فلنقفل دفاتر التاريخ لاننا في بلد صغير وكلنا نعرف بعضنا البعض.  
اتمنى انكم من أجل مآرب سياسية لن تكونوا مستعدين للتضحية بالحريصين على المقاومة عقائدياً من اجل حفنة من الانتهازيين ومتسلقي المناصب المتقلبين. 
نتمنى للحراك أن يستمر بعيداً عن فضلو خوري و سمير جعجع وسامي الجميل ووليد فارس ولكن ايضاً بعيداً عن الهراوات والتخوين، حتى اسقاط النظام الطائفي و الاقتصادي القائم على النهب. 

الاثنين، 10 ديسمبر 2018

أين الفرنسيين الحمر من انتفاضة السترات الصفراء ؟


أين الفرنسيين الحمر من انتفاضة السترات الصفراء ؟
تعيش فرنسا في الأسابيع الأخيرة انتفاضة ما يعرف ب"السترات الصفراء"  للاحتجاج على قرار حكومة ماكرون برفع أسعار المحروقات. لفهم كيفية تطور هذا الحراك ووصوله الى هذا الزخم الشعبي غير المسبوق في عهد ماكرون، لا بد لنا من العودة قليلاً الى الوراء.
تطور حراك السترات الصفراء
فقبل هذا الحراك وخلال سنة ونصف بعد انتخابه على اساس برنامج ليبرالي بامتياز لم يخفه حتى في حملته الانتخابية، ولكنه برز بشكل أكثر وضوحاً بجملة قرارات يعتبرها "اصلاحات" منها: الهجوم على مكتسبات المتقاعدين وما تبعها من متظاهرات لكبار السن الفرنسيين، التعديلات الغامضة في النظام الضريبي وخفض ضريبة السكن (التي يبدو انها لم تنخفض في كل المدن)، طرح خصخصة شركة القطارات الوطنية المملوكة للدولة SNCF وما اثارته من اضرابات لعمال الشركة ادت الى تعطيلات في حركة القطارات، رفع الأقساط الجامعية لطلاب الليسانس والماجستير الأجانب بعشرة أضعاف معدلها الحالي وهو ما قد يستتبعه رفع الأقساط للطلاب الفرنسيين أيضاً. كل هذا ترافق مع اكتشاف مكامن الفساد في الحكم مع قضية "بن علا" وهو احد مرافقي ماكرون وصولا الى التغييرات الحكومية واستقالة بعض الوزراء من فريق الرئيس و الملتحقين به ومن ابرزهم وزير البيئة نيكولا هولو وهو رئيس سابق لحزب الخضر التحق بماكرون كما فعل الكثير من قيادات الحزب الاشتراكي (في طور الانحلال).
اذن كان الاجراء الأخير برفع أسعار المحروقات، القشة التي قصمت ظهر البعير ودفعت الى التحاق الكثير من المواطنين الفرنسيين بهذا الحراك الشعبي. الحراك الاحتجاجي على القرار بدأ بشكل عفوي عبر دعوة على وسائل التواصل الاجتماعي الى استخدام السترات الصفراء كشعار (المفروض تواجد هذه السترات في كافة السيارات وفق قانون السير الفرنسي). الحكومة بررت القرار لاسباب بيئية التزاماً منها بمقررات قمم التغيير المناخ المعروفة باسم COP . ولكن الأغلبية الشعبية اعتبرت هذا القرار هجوم على آخر ما تبقى من قدراة شرائية للمواطن الفرنسي خاصة أن الكثير من العائلات والمواطنين يعيشون اوضاعاً مادية مزرية. وهذا ما شاهدناه في مظاهرات ضمت ما يقارب 290 ألف في  مظاهرة السبت 17 تشرين الثاني ورغم تفاوت الأعداد في كل مظاهرة (انخفض الرقم 130 الف في مظاهرة الأول من كانون الأول) الا ان ما يهم هو انتشارها في كل المدن الفرنسية حيث يقوم المتظاهرون باقفال مخارج ومداخل الطرقات السريعة الى المدن الكبيرة. في أغلب المدن اتصفت التظاهرات والاعتصامات بطابع سلمي لكن المناوشات العنيفة بين قوى الأمن وبعض المتظاهرين بشكل رئيسي في العاصمة باريس أدت الى سقوط قتلى وجرحى كما هاجم المتظاهرون الكثير من المحلات والسيارات الفخمة وبعض الاماكن الرمزية كقوس النصر وشارع الشانزيليزيه. السلطة اتهمت مجموعات اليمين المتطرف او اليسار المتطرف (مجموعات تروتسكية وانارشية) بافتعال احداث الشغب هذه. فيما أعلنت قوى اليسار مشاركتها في المظاهرات ودعا جان لوك ميلونشون رئيس حركة فرنسا المتمردة الى المشاركة السلمية. كذلك دعت النقابة العامة للشغل (CGT) للتظاهر والمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور (SMIC) . كذا فعل الحزب الشيوعي الفرنسي الخارج من مؤتمره العام في 24-25 تشرين الثاني.

Image result for gilet jaune communiste


الحزب الشيوعي الفرنسي ومؤتمره
اذن في خضم هذه الأحداث العاصفة عقد الحزب الشيوعي الفرنسي مؤتمره ال 38 . حيث تم انتخاب فابيان روسيل (النائب عن منطقة الشمال) أميناً عاماً فيما سيتسلم بيار لوران الأمين العام السابق مسوؤلية المجلس الوطني. المؤتمر دعا الى اعتماد شيوعية تحاكي القرن الواحد والعشرين. وقد شهد الحزب الشيوعي الفرنسي تاريخياً تحولات (ترافقت مع التحولات التي حصلت في الاتحاد السوفياتي) من الستالينية الى الشيوعية الاوروبية ولكن لا يمكن أن ننسى ان الحزب الشيوعي الفرنسي كان القوة الرئيسية الأولى في البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، هو حزب جان جوريس الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال النازي كما كان له مساهمات في استحواذ الطبقة العاملة الفرنسية على قانون الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية عبر وزيره في حكومة ديغول الأولى بعد الحرب امبرواز كروازا الى غيرها من المكتسبات الاجتماعية في عهد  ميتران وهو حزب أنتج العديد من المثقفين والمفكرين والشعراء مثل لويس التوسير، هنري لوفيفر،هنري باربوس، لويس اراغون وبول ايلوار وغيرهم...
لكن في هذين العقدين الاخيرين ومع تقدم اليمين وتراجع المكتسبات الاجتماعية وانحرافات الاشتراكية الديموقراطية، عانى الحزب الشيوعي الفرنسي من تراجع في صفوفه وقدراته الانتخابية (من25% بعد الحرب العالمية الثانية الى 2 % في الانتخابات الأخيرة)  لذلك لم يقدم مرشحاً للانتخابات الرئاسية واكتفى بدعم ميلونشون الذي استقطب العديد من مناصري الحزب وبات القوة الأولى في اليسار اليوم مما سبب اشكالاً عميقاً حيث يرفض ميلونشون الحوار مع باقي قوى اليسار التقليدي، فيما يطالب الشيوعيون بتحالف وقوائم انتخابية موحدة. خاصة ان انتخابات البرلمان الاوروبي قادمة ويبدو ان كل قوى اليسار ستقدم لوائح منفردة مما قد يساهم باضعافها.
فهل من أمل ان يستعيد الحزب الشيوعي الفرنسي تاريخه ام انه خسره لأشكال جديدة من اليسار ممثلة بميلونشون؟ وهل يستطيع اليسار بشكل عام أن يتجاوز الخلافات ويتحد لمنع تذويب حركة "السترات الصفراء" أو تجييرها الى اليمين واليمين المتطرف أو جعلها نموذجاً آخراً من ثورات ما يعرف "الربيع العربي"؟

                                                                                                  احسان المصري

السبت، 20 أكتوبر 2018

المادية بمواجهة المثاليات : بين العلم والسياسة


مجلة النداء - العدد 19-10-2018

الماركسية (على ما في التعريف من ظلم لأنجلز ولسابقين ولاحقين ساهموا في تأسيس وتطوير النظرية)  مفهوم للعالم (فلسفة وفكر وانتماء وتطبيق)، يتبناها الكثيرون ولكن قلة منهم تفهمها وقلة أقل تسعى لتطبيقها. نفس الامر يمكن قوله حول اليسار كمصطلح يشمل تحت جناحيه مروحة واسعة من التيارات، ومنها أبعد ما يكون عن اليسار بمفهومه سواء تيارات الاشتراكية الديموقراطية او اليسار الليبرالي او التروتسكية وغيرها... وهذه التيارات نرى بعض نماذجها في العالم العربي بل على صعيد العالم. ولا تنحصر هذه التيارات التي تنحو احياناً مناحي مثالية في السياسة بل تمتد الى العلم والفن وكافة مجالات الفكر والحياة. وهو ما سنحاول اعطاء امثلة عليه.
الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي الماركسي هنري لوفيفر وفي كتيب تفسيري بعنوان "الماركسية"  [1]، يقدم مقارنة بين المادية والمثالية، ففي حين ترى المثالية جمود الواقع، ترى المادية الواقع في حركة دائمة وحين تعجز المثالية عن رؤية الواقع بتناقضاته، تسبر المادية تناقضات الواقع وعناصره لتستنبط منها تحليلاتها.



المثالية في العلم
والغريب ان الاسقاطات المثالية في العلم (الذي يفترض ان يكون مادياً) كثيرة في انعكاس لطبيعة المصالح الطبقية المسيطة بالعلوم . منها ما يمتد من محاولات تأسيس معادلات ونماذج رياضية ومحاولة الصاقها بالواقع عوضاً عن دراسة الواقع تجريبياً وايجاد النماذج الرياضية التي تناسب هذا الواقع.  وهو تيار يتبناه بعض العلماء وفلاسفة العلم ككارل بوبر حيث يعتبر "ان النظرية تصاغ ثم تعتبر علمية اذا كانت قابلة للاختبار بواسطة التجربة وفي هذا محاولة لنفي الحقيقة التي تصبح نسبية". [2] وهو ما يتجلى في نظرية الأوتار مثلاً حيث تجري محاولة لدمج نظريتي النسبية العامة و نظرية ميكانيك الكم في نظرية موحدة عظيمة (Grand Unified Theory) ولكن ذلك لا يمكن تحقيقه الا اذا اعتمدنا كوناً يتعدى قدراتنا وتصوراتنا. ففي حين نسلم بكوننا الرباعي الابعاد (ثلاثة ابعاد مكانية وبعد زماني)، تتطلب نظرية الاوتار ابعاد قد تكون 11 وقد تصل الى 26 فهي اذن نموذج رياضي يحاول تفسير ما نعجز عن تفسيره لحد الآن. ومن ذلك أيضاً يمكن اعتبار نظرية البيغ بانغ(او الانفجار الكبير) نظرية ذات بعد ميتافيزيقي [2] نظراً لتحديدها نقطة بداية الزمن فهي تشبه بذلك نظرية الخلق التوراتية. ويمكن ان نضيف التفسيرات الفلسفية لميكانيك الكم، والتي ان صح تطبيقها تجريبياً وهو ما نستخدمه في كل ما له علاقة بالإلكترونيات ولكن بعض التفسيرات الفلسفية قد تصل احياناً الى مستوى الخيال العلمي : مثال على ذلك ما يعرف ب "قطة شرودينغر" نسبة الى العالم الفيزيائي النمساوي شرودينغر الذي حاول تطبيق مبدأ اللاحتمية او مبدأ هايزنبرغ الذي يؤكد على انه لا يمكننا ان نحدد بدقة كمية الطاقة او موقع الجسيم في نفس الوقت لان اي محاولة لمعرفة احداهما ستغير حالة الاخرى ومن ذلك يستنتج في مثال غريب ان القطة قد تكون حية و ميتة بنفس الوقت.


اليسار المثالي في السياسة
و قطة شرودينغر يبدو ان لها تطبيقات في السياسة أيضاً حيث يتبنى البعض نظريات متناقضة في صلبها احياناً و ينحو البعض الأخر لتبني نظرية "لا هذا ولا ذاك". وهي نظرية شائعة في دوائر التروتسكيين العرب و في العالم.
في تحليل سياسي صادر عن دائرة هنري باربوس (مناضل وكاتب شيوعي فرنسي صديق للينين وغوركي توفي في موسكو عام 1930) للثقافة العمالية والشعبية وهو تجمع يضم مناضلين جذريين في الحزب الشيوعي الفرنسي وخارجه [3]، دحض لهذه النظرية التروتسكية حيث يقصر التحليل التروتسكي عن الاحاطة بالواقع ويسقط في مثالية مخيفة. التحليل المعنون "العدوان الامبريالي على سوريا" يستعرض العلاقات المشبوهة بين قوى الناتو والحركات الجهادية في سوريا بالإضافة الى دحض الذرائع التي تستخدم دائماً للقيام بالعدوان العسكري في محاولة لمواجهة الوجود الروسي في سوريا.
ولكن المهم ايضاً اظهار التقارب بين فكر الاشتراكية الديموقراطية والفكر التروتسكي حيث يعتبر قدامى الحزب الاشتراكي الفرنسي (وهو اليوم شبه منحل بعد الهزيمة القاسية التي مني بها في الانتخابات الرئاسية الفرنسية و اتجاه كثير من قياداته نحو الماكرونية) ومن بين هؤلاء لوران فابيوس (رئيس حكومة ووزير خارجية سابق) وميشال روكار (رئيس حكومة سابق توفى في 2016) يعتبر هؤلاء :" ان الاشتراكية في بلد واحد لا معنى لها.... والديموقراطية الاجتماعية ستعرف عبر البحث بمساومة ثلاثية بين رأس المال والعمل، السوق والدولة، المنافسة والتضامن.... واعادة تأسيس الديموقراطية الاجتماعية سيمر حصراً عبر اوروبا.." الى غير ذلك من الافكار التي نجد منطلقات لها عند تروتسكي في رفضه فكرة الاشتراكية في بلد واحد.
ثم يأتي التحليل على نظرية "لا هذا ولا ذاك":  "لا صدام ولا بوش، لا ميلوسيفيتش ولا كلينتون، لا القذافي ولا الناتو" مع اعتبار دائم لاصحاب هذه النظرية ان صدام، ميلوسيفيتش، القذافي ، كيم جونغ اون ، بوتين، شي جين بينغ أسوأ من بوش ، كلينتون، اوباما، بلير، كاميرون، ماي ، ساركوزي ، هولاند، ماكرون، ميركل... وفي هذا استناد لا واعي الى نظرية شوفينية تجد جذورها في تحاليل صمويل هنتغتون حول صراع الحضارات. والحقيقة انو فوق هذه الثنائيات نظرية اعمق تساوي بين اميركا من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية بصفتهما امبرياليات وهي نظرية مردودة على مطلقيها وقد تم تفنيدها في دراسات كدراسة روسيا: "الشبح الإمبريالي"...؟! لمهند دليقان [4]  ومقال خرافة الامبريالية الروسية وآمال مواجهة الامبريالية الأميركية لمحمد فرج [5].
 وينتقد التقرير ضعف مواقف الحزب الشيوعي الفرنسي في تبريره للضربات العسكرية للناتو. ثم ينتقد مواقف حزبين تروتسكيين فرنسيين الاول هو "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية" في رؤيته المبسطة "للثورات العربية" ودعوته الى الوقوف بجانب "الثوار العرب" بالمطلق (أين هم اليوم، لم نرهم منذ زمن) و هو ما نراه أيضاً في مواقف بعض التروتسكيين العرب أيضاً والثاني هو حركة "النضال العمالي"  التي ترفض الاعتراف بطبيعة الصراع الدائر في سوريا كجزء من صراع ضد النيوكولونيالية الغربية.


خاتمة: في الصراع
وهكذا ينفي بعض اليسار المثالي الصراع ويعتبره ضاراً او عبثياً ويحاول البحث فكرياً عن وسائل لتجاوزه، فيما الحقيقة ان الانسان لا يتقدم الا عبر الصراع والثورات هي احدى اوجه الصراع. فكما يقول لوفيفر "الانسان لا يمكن ان يتطور الا عبر التناقضات، الإنساني لا يمكن ان يتشكل الا عبر اللاإنساني ، في البداية ممزوجين مع بعض، ليتميز الإنساني من ثم عبر صراع وليسيطر في النهاية عبر حل الصراع" . [1] فالإنساني لا بد انه غالب في النهاية بعد فترة من الصراع وهذا ما ادركه الشهيد باسل الأعرج وهو المثال الأوضح للمثقف العضوي - بمفهوم غرامشي - في عالمنا العربي. و نختم بقول لينين ينطبق على ما نشهده في يومنا هذا: "ان الامبريالية طورت القوى المنتجة الى حد ان البشرية لم يبق امامها الا سواء العبور للاشتراكية  او التعرض لسنوات بل لعقود لصراع مسلح تشنه القوى الكبرى للإبقاء الاصطناعي للرأسمالية عبر المستعمرات، الاحتكارات، الامتيازات والاضطهاد القومي من كل صنف" .


            
                                                                                    احسان المصري


 المصادر:

[1]
H. Lefebvre, Le marxisme, Paris : PUF, 1948.
[2]
ع. الشوك, تأملات في الفيزياء الحديثة, بيروت: دار الفارابي , 2012.
[3]
C. H. Barbusse, "Agression Imperialiste en Syrie," May 2018. [Online]. Available: http://cercles.communistes.free.fr/chb/publi.php?idArticle=2018_05_15_agressionsyrie.
[4]
م. دليقان, "روسيا: "الشبح الإمبريالي"...؟!," [Online]. Available: http://kassioun.org/reports-and-opinions/item/20138-2017-02-12-20-29-48.
[5]
م. فرج, "خرافة الامبريالية الروسية وآمال مواجهة الامبريالية الأميركية," [Online]. Available: http://www.al-nidaa.com/arab-and-wrold/item/31700-2018-09-01-11-19-24.






الأحد، 4 فبراير 2018

زياد الدويري: مرافعة عن اليمين اللبناني


قررت اخيراً ان اشاهد فيلم زياد دويري بعد الضجة الكبيرة التي أثارها في لبنان و بعد قراءتي أكثر من نقد للفيلم في الصحف الفرنسية كان آخرها في صحيفة " Le Journal Du Dimanche" والتي يعلن فيها دويري ان الفيلم بني على حادثة حصلت معه حين كان يروي شتلة له في بيروت فتسرب الماء الى عابر في الشارع تبين أنه فلسطيني، فحصلت مشادة انتهت باستعمال دويري جملته الشهيرة:  "يا ريتو شارون بادكون كلكون" ثم اعتذر من بعدها.
يبدأ الفيلم بخطابات سمير جعجع في مشهد ممثل وخطابات بشير الجميل التي تستمر طوال الفيلم بما تتضمنه من فاشية ويرافقها دوماً تبني الخطاب من قبل عادل كرم. وحين تقع الحادثة المذكورة أعلاه يطالب عادل كرم رغم أنه مخطأ "الغريب" الفلسطيني بالاعتذار منه وحين يأتي الممثل الفلسطيني كامل الباشا ليعتذر ويقول له كرم جملته الشهيرة التي تعد "الاهانة" (وهو اسم الفيلم بالفرنسية)، لم يتحملها الفلسطيني حيث يضرب كرم  ويكسر أضلاعه. على اثرها، يرفع عادل كرم دعوى على الباشا لحماية حقه في بلده من الغريب الذي في دفاعه لا يذكرالجملة المهينة التي سببت الحادثة.  ثم تتطور الأمور حيث يتدخل أحد المحامين (كميل سلامة) الذي دافع سابقاً عن سمير جعجع أثناء سجنه ليتولى قضية عادل كرم بوجه ابنته (ديامان بو عبود) التي تأخذ جانب الباشا. ويتطور الأمر ليصبح قضية رأي عام ويكاد يثير فتنة بين المسيحيين والفلسطينيين. ورغم اعلان جعجع (رفعت طربيه) طي صفحة الحرب في مقابلة مع وليد عبود (يظهر في الفيلم. لم يكن ينقص غير مارسيل غانم) ورغم تدخل رئيس الجمهورية (انطوان مهنا) للوساطة بين كرم والباشا حفظاً للاستقرار، يتهم كرم الرئيس بالتواطئ مع الفلسطينيين.

الخلاصة الرئيسية التي يمكن أن نستنتجها من الفيلم هي أن هناك قضايا أخرى مهمة وليس ضرورياً ان تحظى القضية الفلسطينية بالأولوية، فالمسيحيين اللبنانيين لديهم قضية وهم مظلومين أيضاً وربما غيرهم أيضاً (يذكر المحامي الأرمن والأكراد و المثليين والسنافر... ) وكفى الفلسطينيين اصطناع دور الضحية (خاصة أنهم مدعومون من الامم المتحدة و منظمات المجتمع المدني على لسان كرم ومحاميه: هل يريدنا دويري أن نصدق كم هذه الاكاذيب). كثيرة هي الجمل التي تحتاج الى تحليل نفسي بالمناسبة. خاصة ان الخطاب الفاشي التبسيطي كان طاغياً.
الخلاصة اعلاه تؤكدها صمت الممثل الفلسطيني معظم الوقت واعلاء صوت عادل كرم ومحاميه. كأنه يقول، اكتفينا من خطاب المظلومية الفلسطينية والآن الصوت للأخرين. حتى انه يستقدم جندي أردني مقعد بسبب ضرب الباشا له على اثر احداث أيلول الاسود ليبشرنا بخطاب النظام الاردني عن التخريببين الفلسطينيين الذين طردوا الى لبنان ليتابعوا تخريبهم. وهي خلاصة نتأكد منها أكثر حين نكتشف أن عادل كرم من قرية الدامور، وهو هارب من مجزرة في الدامور ارتكبتها القوى الفلسطينية والحركة الوطنية، (من دون اي ذكر انها حصلت رداً على مجازر الكرنتينا على ما اذكر ولا لمجزرة تل الزعتر التي حصلت فيما بعد ولا لعشرات المجازر الفاشية بحق لبنانيين وفلسطينيين). هو تغييب تام لوجهة النظر المضادة، باستثناء بعض الكلمات الواردة في دفاع بو عبود عن الباشا وهي كانت تتطرق الى دفاع شخصي أكثر من دفاع سياسي فيما كانت مجمل مرافعات سلامة مشحونة بخطاب اليمين اللبناني.

ينتهي الفيلم باعلان براءة الفلسطيني (هل هضم حقوق المسيحي مرة أخرى) ويتصالح عادل كرم مع نفسه فيعود الى بساتين موز الدامور بعد ان هجرها اثناء الحرب.
لا شك أن الفيلم بما يحمله من خطاب تبسيطي وتسخيفي أحياناً وبتبنيه وجهة نظر منحازة يحتاج الى تحليل معمق ولكنني لم أستطع الا ان اشارك هذه الملاحظات الاولية، خاصة حين نعلم أن  وزارة الثقافة تبنت ترشيح هذا الفيلم ليمثل لبنان في جوائز الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي (لحسن الحظ انه لم يفز) . اذا كان هدف الدويري المصالحة فالاكيد انها لا تكون هكذا. المريب في الامر لماذا سمح عرض هذا الفيلم رغم نكأه بجراح الحرب وهي حجة اعتمدت لمنع افلام شبيهة (فيلم شو صار لديغول عيد عن مجزرة ارتكبها القوميون بحق الكتائب في عدبل – عكار او سمعان في الضيعة لسيمون الهبر والذي يتطرق الى حرب الجبل بين الاشتراكيين والقوات).
بعد هذا الفيلم ندرك ان استسهال دويري زيارة اسرائيل هو موضوع له أسسه فالرجل الذي صرع رأسنا بتأكيده انه من عائلة بعثية وقومية عربية ورضع الحليب الفلسطيني فان كل هذه المبررات لا تفيد خاصة في ظل احتدام الصراع مع ترامب حول قضية القدس. طبعاً من حق دويري ان يتبنى الخطاب الذي يريد. ومن حقنا ان ننتقده ونواجهه بافلام وافكار مضادة لاثبات التزييف التاريخي الكبير الذي يعتري عمله. وربما لولا النظام التوافقي الطائفي اللبناني، اقل ما كان يمكن ان يقوم به حزب الله وكل احزاب المقاومة هو مواجهة هذا العمل بعمل مضاد، دفاعاً عن دماء آلاف الشهداء الذين ماتوا من أجل فلسطين وعلى دربها ومن أجل مواجهة المشروع الفاشي الفيديرالي ولكن أحزاب السلطة مشغولة بتناحر طائفي و زعاماتي في حرب نعيشها كل يوم.
"فلتتوضح كل المواقف.. ولتتحدد كل المواقع.. ولتكن المجابهة في الضوء .كيف يمكن للثقافة أن يكون لها موقع الهامش في معركة التغيير الثوري ضد الفاشية والطائفية؟ كيف يمكن للمثقف أن يستقيل من نضال ينتصر للديمقراطية ... هو أوكسيجين الفكر والأدب والفن؟. بوضوح أقول : فالوضوح هو الحقيقة ، من لا ينتصر للديمقراطية ضد الفاشية، للحرية ضد الإرهاب، للعقل والحب والخيال وللجمال ضد العدمية وكل ظلامية في لبنان الحرب الأهلية وفي كل بلد من عالمنا العربي وعلى امتداد أرض الإنسان ، من لا ينتصر للثورة في كل ان ، مثقف مزيف وثقافته مخادعة مرائية. إذا تكلم على الثورة في شعره أو نثره .. فعلى الثورة بالمجرد يتكلم من خارج كل زمان ومكان.. لا عليها في حركة التاريخ الفعلية وشروطها الملموسة! وإذ يعلن في نرجسية حمقاء أنه يريدها... فبيضاء لا تهدم ولا تغير!! تبقي القائم بنظامه .. وتحن إليه إذا تزلزل أو احتضر كثيرون هم الذين في لبنان يحنون إلى لبنان ما قبل الحرب الأهلية ويريدون التغيير لعودة إلى الماضي ويريدونه ايقافآ لانهيارات الزمان... أما الاتي فمن الغيب.. إلى الغيب . إنه موقف المنهزم لا بصراع.. بل بتسليم واستكانة. إنه موقف من يصنع ( بضم الياء ) التاريخ بدونه وله في التاريخ موقع ترفضه الثقافة ، إذ الثقافة في تعريفها مقاومة. فإذا ساوت بين القاتل والقتيل انهزمت في عدميتها فانتصر القاتل وكانت في صمتها شريكته" - مهدي عامل

احسان المصري



الجمعة، 12 مايو 2017

الرّئاسيّة الفرنسيّة، محاولة مغبونة لدفن السّائد الفاشل...

انتهت الدّورة الأولى من الانتخابات الرّئاسيّة الفرنسيّة بنتائج قلبت المشهد السّياسي تزامناً مع التّغيّرات العالميّة، المشهد الّذي كان محكوماً بقسمة تاريخيّة بين "يسار" ويمين تناوباً على الحكم في الجمهوريّة الخامسة برؤساء ديغوليّين أو اشتراكيّين



إحسان المصري / حكمت غصن 
نتائج الدّورة الأولى كانت متوقّعة؛ إن كان عبر استطلاعات الرّأي، أو بتحليل الرّأي العام وعقليّة النّاخبين وتأثير نمط الحياة والثّقافة والميديا، فالمسلّمات في المجتمع الفرنسيّ كالخوف من "التّطرّف"، والميل إلى "الاعتدال"، والحرص على البقاء ضمن الاتّحاد الأوروبّيّ، كما الهجوم الإعلاميّ الشّرس على اليسار الرّاديكاليّ بهدف التّضليل والتّشويه، كانت عوامل كافية لحسم المعركة ولو بصعوبة لافتة.

بالأرقام...
في النّتائج، حصد مرشح الوسط اللّيبراليّ ماكرون أعلى نسبة (23.6%)، وتأهّل إلى الدّورة الثّانية مع مرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبّان (21.6%). أبرز الخاسرين كان مرشح الجمهوريّين رئيس الحكومة السّابق فيّون (19.8%)، ومرشّح اليسار الرّاديكاليّ جان لوك ميلونشون (19.2%) وخلفهما بنسبة متواضعة مرشّح الحزب الاشتراكيّ بنوا هامون (6.5%). 
في معظم المدن الأساسيّة، تصدّر ماكرون يليه ميلونشون، باستثناء بعض المدن كتولوز وليل ومونبيلييه ولوهافر (المدينة العمّاليّة)، حيث تصدّر ميلونشون الّذي كان يحظى بنسبة 11% عام 2012، والّذي تمكّن أيضاً من الفوز في الأراضي الفرنسيّة "ما وراء البحار"، أمّا ما مكّن لوبّان من التّقدّم فكان الرّيف وبعض التّجمّعات الكبرى في مارسيليا مثلاً، في حين شكّلت العاصمة باريس كابوسها المؤلم.(4.99%) 
"دقّ الخطر"...
بعد صدور النّتائج الأوّليّة، مباشرةً، تداعت القوى التّقليديّة (هامون عن الحزب الاشتراكيّ، فيّون وألان جوبّيه عن اليمين، وغيرهم كثر)، لدعوة الشّعب الفرنسيّ إلى التّوحّد خلف ماكرون لردّ الخطر المصيريّ على الجمهوريّة، وسادت هستيريا في استديوهات المحطّات الفرنسيّة وكأنّها إعلان الجهاد المقدّس ضدّ "الانعزال". ولكن وفي ظلّ هذا التّكتّل، رفعت لوبّان خطاباً يعيد تموضع القوى لصالحها، لتحاول أن تجعل من نفسها "مرشّحة الشّعب" في وجه "النّخبة"، كما حاولت استعطاف ناخبي اليمين عبر اقتباس مقولات ديغوليّة، وناخبي اليسار لا سيّما الأراضي الفرنسيّة ما وراء البحار، عبر ذكرهم في خطابها، وعبر نسخ بعض بنود مشروع ميلونشون.
لكنّ الأكثر سعادة في ظلّ هذه الهستيريا هو المرشح الشّاب إيمانويل ماكرون، ذو الخطاب الغامض الّذي يصف نفسه "بالحديث"، لا يساراً ولا يميناً، وهو عديم التّجربة السّياسيّة باستثناء تولّيه وزارة الاقتصاد في عهد هولاند. وقد دعمه وسطيّون ويمينيّون وليبراليّو الحزب الاشتراكيّ، كما يعرف بالإبن المدلّل لرؤوس الأموال والمصارف.
دروس في التّحوّلات الكبرى...
إنّ نتيجة الدّورة الأولى، لم تكن سوى موقف سياسيّ شعبيّ، يعلن سحب الثّقة من القوى التّقليديّة السّائدة، فاليمين المحافظ وللمرّة الأولى لا يصل إلى الدّورة الثّانية، أمّا الاشتراكيّ الدّيمقراطيّ فيحصد أسوأ نتيجة منذ عام 1969، وما هذا إلّا دليل على فشل هذين النّموذجين اللّيبراليّين في الجوهر. والّذي يؤكّد المؤكّد، أنّ القوى غير التقليديّة هي من حصدت النّسب الأعلى، فماكرون وفي تلك اللّحظات شكّل بالنّسبة للفرنسيّين "شاب، جديد على السّاحة، يعد بمشروع حديث"، أمّا لوبّان فهي خيار غير مألوف في السّياسة الفرنسيّة، واليسار الرّاديكاليّ قدّم خطابا علميا بعد طول غياب. تجدر الإشارة أنّ الحزب الاشتراكيّ سيكون أمام أزمة عميقة بعد ما حصده هامون وهو مرشّح اليسار في الحزب، وقد تتزايد الانشقاقات في صفوفه أو يعاد تكوينه بعد دعم كثير من قياداته لماكرون علناً في خيانة فاضحة لمرشّحهم الرّسميّ. أمّا الجمهوريون فهم أيضاً أمام أزمة تتجلّى بتحميل الكثير من قياداتهم لفيّون مسؤوليّة الهزيمة بعد إصراره على التّرشّح رغم الفضائح الماليّة الّتي طاولته هو وعائلته.
وفي اليسار دروس أيضاً...
في تعليق أوّليّ له، قال بيار لوران أمين عام الحزب الشّيوعيّ الفرنسيّ بعد إعلان دعمه على مضض لماكرون فقط لقطع الطّريق على لوبّان، أنّه حذّر من المخاطرة بمرشّحين لليسار منذ عام، ولكنّ الأهم هو تعليقه على نتائج الحزب الاشتراكيّ، حيث اعتبر أنّ نموذج "المشتقّات اليساريّة اللّيبراليّة" على يد أمثال مانويل فالس وهولّاند قد سقط، وأنّه يدعو اليسار إلى بناء نموذج حديث مع حزبه وحركة ميلونشون. وقد سُمع في الفضاء السّياسيّ نعوات صريحة للحزب الاشتراكيّ وأنّه "لم يعد له لزوم" على حدّ قول أحد المحلّلين، اعتبر الرّأي العام أنّه يتحمّل مسؤوليّة وصول لوبّان وسقوط ميلونشون. أمّا الأخير، ورغم خيبة أمله الواضحة، فقد حقّق نتيجة مشرّفة تليق ببرنامجه وحملته وكان بالفعل يستطيع الوصول إلى الدّورة الثّانية لو تنازل هامون لمصلحته، أو لو لم يتكثّف الهجوم الإعلاميّ ضدّه، والتّرهيب من اليسار "المتطرّف" ووصفه بشافيز وستالين واتهامه بالجموح نحو الخروج من الاتّحاد الأوروبّيّ، وعلى الرغم من كلّ ذلك استطاع تحقيق تقدّم هائل بنتيجة تذكّر بنسب الحزب الشّيوعيّ بعد الحرب العالميّة الثّانية حيث كان آنذاك القوّة الرّئيسيّة في البلاد، وبهذا أثبت اليسار الجذريّ أنّه الوحيد القادر على التّقرّب من النّاس، رغم خسارته الطّبيعيّة غير المطلقة للمعركة، بعد أكثر من أعوام ثلاثين نمط حياة وعلاقات ليبراليّ ومسلّمات وتضليل، فمخطئ من يعتقد أنّ عاماً سيكون كافياً لقلب الموازين بشكل نهائيّ.
ماذا بعد...؟ 
ربّما استيقظ الشّعب الفرنسيّ متأّخّراً على هول الصّدمة، بعد النّتائج المخزية بوصول لوبّان إلى الدّورة الثّانية، مع الإدراك الضّمنيّ بأنّ ماكرون لا يمثّل إلّا تكرارا للسّياسات النّيوليبيراليّة الّتي أوصلت البلاد إلى الأزمة الحاليّة، فقد استطاع ماكرون انتهاز الفرصة واللّحظة لاستقطاب الرأي العام في ظلّ التّهويل من الشّعبويّة والتّطرّف "الأحمر"، وفي ظلّ تسطيح مفهوم الحداثة واقتصاره على العمر والتّجربة، كما تأليه الشّعارات كالحرّيّة والدّيمقراطيّة، دون الإدراك أنّها لا تطبّق في ظلّ الحكم الرّأسماليّ، وهذا ليس سوى نتيجة طبيعيّة للضخّ الثّقافيّ منذ أكثر من ثلاثة عقود، وبرغم كلّ هذا، يشعر الفرنسيّون أنّ شيئاً لن يتغيّر، وأنّهم مغبونون، فنيّتهم الحقيقيّة كانت دفن السّائد الّذي فشل.
من المرجّح، بعد تكتّل مختلف القوى السّياسيّة ضدّ لوبّان، أن يفوز ماكرون في الدورة الثانية رغم أنّ هذا غير مؤكّد. واللّافت موقف ميلونشون المبدئيّ بعدم التّصويت لكليهما، وتحكيم القرار لقاعدته الشّعبيّة، الّتي رفضت بالمطلق دعم لوبّان، وطالبت ماكرون بتنازلات.
في الخلاصة، إنّ الدّورة الأولى لم تكن أقلّ من إعادة تشكيل للمشهد السّياسيّ الفرنسيّ برمّته، وتغيير جذريّ فيه، ومساء السّابع من أيّار، إمّا يعود القديم بقناع "حديث"، إمّا يتأزّم النّظّام وتتفاقم تناقضاته، وفي الحالتين تلك، إنّ المعركة مستمرّة، وحزيران يحمل معه دروسا جديدة في الانتخابات التّشريعيّة، وكما يقول الرّفيق غرامشي: "عالم قديم يموت، وعالم جديد يكافح ليولد، إنّه زمن الوحوش"... 

الجمعة، 9 يناير 2015

Charlie Hebdo: Victim of the contradictions


Charlie Hebdo, the name kept resonating in my head for a while after the issue of the Danish cartoons and the riot that spread in the Arab and Muslim countries after the case (including Lebanon).
It was back in 2013, on my way back to Lebanon from France that I bought as one of the souvenirs a copy of Charlie Hebdo. I was fascinated by the audacity of the caricatures and I laughed at the same time for the satirical photos depicting either religious or political figures. The magazine is a leftist magazine who criticizes religious behaviors, right wing parties … that was enough for me.  
Probably, Charlie Hebdo is sold in some big libraries in Beirut however it never reaches the public and I can confirm that some issues never reach Lebanon especially those that insult God, Religion (Either Christian or Muslim) or those that include sexual content, this is due to the censorship in Lebanon supported by religious authorities. In fact, there is a charge in Lebanon that criminalizes any abuse to the divine self. This is in the so-said only democracy in the Arab world.



In fact, the Lebanese system based on “consensual democracy” between the sects was a result of the cooperation between the French occupation and the francophone Lebanese elite (mainly Christian). Even, Lebanon the country that we know it today was a result of this cooperation along with the Sykes–Picot Agreement between the English and French colonial powers that divided natural Syria (Bilad-El-Sham) between UK and France and gave Palestine to the Zionist movement.
This Lebanese system (as imagined by one of the founders of the Lebanese ideology: Michel Chiha) is a hybrid system that was the root of the Lebanese civil war (1975-1990), along with many smaller civil wars (1958, 2008, … ) .it is a generator of wars and problems due to its sectarian basis. By creating the system, France thought to keep a base for its interests in the Middle East after leaving Lebanon & Syria.
The situation for France in Lebanon, was much easier than in Syria where the refusal of the occupation was wider and intense through the great Syrian revolution launched by the Syrian Druze Leader Sultan Basha AlAtrash (1925) and much easier than in the Arabian “Maghreb” : Morocco, Tunisia and Algeria. For example, Algeria was occupied by France for 130 years, many revolutions erupted against France starting from Abdel Kader until the revolution in 1954 and lasted until Algeria’s independence in 1962 causing a “one million Algerian martyr”.
The Algerian revolution, happened in a period where the Arab Nationalist movement was reaching its peak with the presence of Abdul Nasser as a symbol in Egypt and the whole Arab world, along with the Palestinian revolution, the Yemen war, the rise of National-Leftist regimes in many countries.  
In this period you could read a book criticizing the religious ideologies by Sadik Galal Adhm or analyzing Coran by Muhammad Arakon or Nasr Hamed Abou Zeid. Some extremist leftist organizations like DFLP were writing revolutionary slogans on the walls of the mosques in Jordan (Before Black September 1970)… there was signals of Liberation and unity in all the Arab world.
Those events were not in the best interests of the western countries: USA as an emerging imperialist power or UK and France as past colonial powers, along with the Zionist entity. Noting that the Arab progressive regimes and parties were allied with the URSS. Thus, the western powers used their tools in the Arab world in the gulf regimes with mainly the Saudi Wahhabi Salafi regime along with the Muslim brotherhood (mainly in Egypt) to fight this phenomenon.
The fight that started in Afghanistan against the communist regime there backed by URSS, was the result of the cooperation between USA, Pakistan, KSA and the Jihadi groups led by Abdallah Azzam first and by Ben Lade after it which planted the seeds of “Al-Qaida” and “Taliban”.
After the fall of the URSS and the end of Afghanistan war, the returning so-called “Mujahidin” or “Arab-Afghan” ignited civil wars in many Arab countries (Algeria and Egypt for example in the 90s).
However, the creation of this extremist Islamic monster culminated with the 9-11 attacks which gave a reason for the US to occupy Afghanistan and then Iraq, helping to deteriorate the Iraqi state and “Lebanonising” it.
The situation will get even more dangerous after the “Arab Spring” that started in Tunisia and Egypt. The people ambition’s to toggle the dictatorship was transformed into a nightmare by western powers like NATO and Arab reactionary regimes backing the Salafist powers. And causing the creation of many failed states in Iraq, Libya and Syria.
The emergence of ISIS (Islamic State in Iraq and Syria (Sham)) known as “Daesh” in Arabic signalized a red alarm for the west. Although Daesh, is funded and supported by KSA, Qatar, Turkey gathering many opposition Syrian Islamist groups along with Salafi brigades from all around the world. Daesh continue to commit its crimes against minorities (Kurds, Yezedis, Christians, Shiites, Druze, Ismaelite, Alawite and even Sunnis who do not abide by its rules of Sharia) in Iraq and Syria (Extending to Lebanon also). The western powers who helped the creation of this monster to toggle the secular dictatorship of Al-Assad, is cooperating now with the Syrian regime to bomb Daesh.
But this monster is not easy to fight. And it seems that it is willing to extend its terror far behind Syria and Iraq. The massacre of Charlie Hebdo is only a sign.
However after all that many questions will be asked that I don’t have answers for: who will profit from this massacre except the Fascism everywhere (either the Fascist Islamism as Daesh, the Fascist Zionist entity and the Fascist parties in Europe from Le pen in France to Svoboda in Ukraine passing through Germany)? How can we avoid such racism and extremism? What is the root of the problem? Is it in Islam? Maybe? Is it in all kind of religion? Probably? Is it in all the Arabic culture? What is the fault of Arab immigrants in France and Europe in all of this? What will be their destiny? What will be the reaction of the European societies...
Many questions will rise however in this moment we cannot do anything other than expressing our solidarity with the victims of the above contradicting history.
The martyrs of Charlie Hebdo will be added to a list of victims in the Arab world killed by extremists from thinkers like Hussein Mroueh and Mahdi Amel in Lebanon to Farag Fouda in Egypt, to thousands of people killed by those terrorists from Algeria to Syria and from Iraq to Libya.
However the fight will continue against every extremism and racism from Europe to the Arab world. I summarize by the words of Charb:
« Je n’ai pas peur de représailles, je n’ai pas peur de gosses, pas de femmes, pas de voiture, pas de crédit. ca fait surement un peu pompeux, mais je préfère mourir debout que vivre à genoux. »


Ihsan El Masri