الجمعة، 17 سبتمبر 2010

ذاكرة لن تموت




- ضجيج ، ضوضاء . صوت الرصاص يئز في اذنيه . يلتقط رشاشه ويختبئ خلف صخرة كبيرة . يلقي نظرة على الجهة المقابلة حيث سقط رفيقه "ابو علي " مضرجاً بالدماء . مروحية العدو الاسرائيلي تحلق في الاجواء وتلقي قذائفها . هديرها يصم الآذان . مدافع العملاء اللحديين تدك منطقة الاشتباك ....
فجأة يحس بحرارة تسري في انحاء جسده . هوذا الدم النازف يبلل سترته العسكرية ويغطي شعار "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية " بالاحمر القاني .
يكاد يغمى عليه ...يلتقط انفاسه....
- كان لا يزال يافعاً حين وقعت عيناه على ذاك الكتاب ولم يكن الا "البيان الشيوعي" بالفرنسية في مكتبة جده الكتائبي في قرية من قرى المتن . قرأه و ازداد شغفه بالمعرفة فطالع الكثير من المؤلفات اليسارية حتى اصبح شيوعياً يخط المنجل والمطرقة على جدران وطاولات مدرسة الراهبات حيث تلقى علومه الثانوية ..
- يحاول المضي بضعة امتار الى مغارة قريبة .. يعرف هذه الارض جيداً فقد تدرب في ارجائها سابقاً في مخيمات عسكرية فلسطينية .... يصل المغارة متأبطاً رشاشه الفارغ من الذخيرة .. يرتشف قطرات ماء من مطرته العسكرية ....
- يتذكر لقاءه باحد رفاقه في الجامعة الذي كان قيادياً في منظمة العمل الشيوعي و كيف اقنعه بالانتساب اليها ... فراح يشارك في مظاهرات مختلفة ... تارة يتضامن مع الثورة الفلسطينية و طوراً مع عمال التبغ وغندور .... تارة يحضر اجتماعات وطوراً يشارك في مخيمات .... حينها طرده والده من البيت فما كان به الا ان انتقل الى منزل رفيقه في الحمرا ..
- يجمع جهوده ويستلقي على عشب خفيف تكوم عند زاوية المغارة المظلمة ....و كانت خيوط الفجر قد بدأت تتسلل الى داخلها رويداً رويداً ......
- يستذكر حروب بيروت المتنقلة ... لم يترك محوراً لم يشارك فيه ... من الشياح الى الفنادق ... هناك احتلوا الهوليداي ان وشربوا خموراً لم يذوقوها سابقاً في ذلك البار الفخم ...
يستذكر ايام الاجتياح الاسرائيلي الاول عام 1978 كيف توجه على رأس فرقة عسكرية لبنانية – فلسطينية مشتركة الى قلعة الشقيف ... رابضوا هناك لفترة قبل ان تاتيهم اوامر الانسحاب ....
- صوت اللاسلكي يردد على مسامعه كلمات غير مفهومة وتشويش ... يبصق كمية من الدماء .... يحاول التقاط اللاسلكي ولكن الكلمات تخونه... كم يكثر الخونة في اللحظات الحاسمة ...
- يستذكر اجتياح 1982 بعد ان سقطت بيروت وغادرت المقاومة الفلسطينية ... حاول العودة الى قريته ليرى امه المريضة .. لم يمكث في البيت اكثر من خمس دقائق قبل ان تعتقله قوات الفاشيين ... عذبوه وضربوه وسجنوه لسبعة اشهر ولم يخرج الا بعد انتفاضة 6 شباط 1983 ... و هددوه بالا يعود والا كان مصيره اكثر سواداً ...
- عاد الى بيروت الغربية وسافر وامل )التي تعرف عليها في مخيم لاتحاد الشباب الديموقراطي ) الى قبرص هناك تزوجا زواجاً مدنياً ...
- فجأة يحس بضيق في التنفس يزداد ... يتذكر ابو علي رفيق اللحظات الاخيرة .... يحاول ان ينهض عبثاً .. فيسقط في الارض .... يحبو قليلاً الى باب المغارة .... ها قد بزغ الفجر .... يغمض عينيه ....

احسان المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق