الاثنين، 29 يوليو 2013

الشيوعية والشعر


-          علاقة الشيوعية والشعر هي جزء من عنوان اكبر هو علاقة الشيوعية والفن والصراع الحاد بين تياري الفن للفن وتيار الفن الملتزم الشيوعي. وهي جزء من معضلة الادب الاشتراكي الواقعي.
-          العلاقة ظلت ملتبسة منذ وصول البلاشفة الى الحكم وحادثة ماياكوفسكي (والنقد الذي وجه له لانه لم يكتب شعراً بروليتارياً)  ولكن رغم ذلك برز على مستوى العالم شعراء شيوعيين ويساريين طبعوا القرن العشرين بشعرهم مثل الاسباني فيديركو غارسيا لوركا (الذي قتل على ايدي ميليشيات فرانكو عام 1936) والتركي ناظم حكمت (الذي قضى اعواماً في السجون التركية بتهمة الشيوعية) والتشيلي بابلو نيرودا (الذي توفي على اثر الاطاحة بحكومة سالفادور الليندي عام 1973). هؤلاء الشعراء غيروا من العلاقة بين الشيوعية والشعر في دمجهم في قصائدهم بين  تجاربهم النضالية والحياتية وتنوع موضوعاتهم من مديح الاحزاب الشيوعية ونضالاتها حتى اجمل القصائد الرومانسية. ونورد ايضاً في هذا السياق تجربة الزعيمان الشيوعيان ماو تسي تونغ وهو شي منه والذين كتبا شعراً ايضاً.
-          على مستوى العالم العربي واثناء فترة نشوء الاحزاب الشيوعية برز شعراء قريبين من هذه الاحزاب كالياس ابو شبكة الذي القى قصائده في مهرجانات حزب الشعب اللبناني (يراجع كتاب "جذور السنديانة الحمراء" لمحمد دكروب). ومن اشهر ابياته:
يا من طلى بدم الفقير عروشه
 وتراه يجلس فوقها يرتاح
هذي العروش جماجم مرصوفة
في جوفها تتمرد الارواح
-          ولكن العلاقة عادت الى التباسها اثر حادثة الاديب رئيف خوري. ومما كتب فيها:
وقالوا اني عققت وخنت عهداً
ومنهم من يخون ومن يعق                                        
-          ربما ادت هذه الحادثة الى ابتعاد الشعراء عن الحزب الشيوعي السوري-اللبناني .على خلاف ذلك نرى ان العلاقة تطورت بشكل مختلف عن لبنان في باقي البلدان العربية.
-          في العراق مثلاً، كان رواد نهضة الشعر العربي الحديث في معظمهم شيوعيين او مقربين من الشيوعية والنزعات التحررية من معروف الرصافي ومحمد مهدي الجواهري الى بدر شاكر السياب (الذي كتب كتابه الشهير "كنت شيوعياً" يعلن فيه تبرئه من الشيوعية ويذمها) الى عبد الوهاب البياتي الذي كتب قصائد نضالية عديدة :
"سنجعل من جماجم سادة البترول
والعملاء
والمتآمرين
لعباً لاطفال الغد المتضاحكين"

ومن البياتي الى سعدي يوسف (الذي لم يعتمد نفس النبرة النضالية ولكنه لم يتخلى عن شيوعيته ووصف نفسه بالشيوعي الاخير) الى مظفر النواب (الذي يمكننا القول انه صاحب النبرة الاعلى والاكثر فجاجة في نقد الانظمة العربية وفي دعم الثورات وهو القادم من تجربة ثورية غيفارية من الاهوار في العراق الى ظفار الى بيروت ايام المقاومة الفلسطينية) الى احمد مطر (صديق ناجي العلي وصاحب القصائد الساخرة في نقد الانظمة العربية).
-          ومن العراق الى مصر حيث كان لشعراء اليسار دور بارز في الشعر المصري. فمن الشعر المكتوب باللغة العربية الفصيحة مع امل دنقل وصلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطى حجازي الى الشعر المكتوب باللغة العامية المصرية مع فؤاد حداد وصلاح جاهين و نجيب سرور واحمد فؤاد نجم بقصائده المتوجة بصوت الشيخ امام).
-          اما في فلسطين فقد انتجت حركة شعراء الداخل احد ابرز شعراء العرب في القرن الماضي اي محمود درويش. وقد كان عضواً في الحزب الشيوعي الاسرائيلي مع سميح القاسم وتوفيق زياد وهما من ابرز شعراء المقاومة اللذين ساهم كتاب الشهيد غسان كنفاني "الادب الفلسطيني المقاوم في ظل الاحتلال" في الاضاءة عليهم. ولن ننسى معين بسيسو وهو من المساهمين في تاسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني في غزة باشعاره النضالية ومسرحياته كثورة الزنج.
-          اذن كخلاصة نرى على مستوى العالم العربي ان الشيوعيون واليساريون انتجوا اسماء بارزة طبعت طيلة فترة القرن العشرين وكانت مساهمة في حركة تجديد الشعر العربي.
-          نعود الى لبنان وسوريا لنتابع الحركة الشعرية في فترة الخمسينات والستينات (اي ما بعد حادثة رئيف خوري) لنرى غياب الاسماء الشعرية البارزة في الحزب الشيوعي اللبناني باستثناء بعض الاصدقاء كجوزف حرب وطلال حيدر. اما حركة شعراء الجنوب فقد كانت بمعظمها مكونة من شعراء قادمين من منظمة العمل الشيوعي:  كعباس بيضون وشوقي بزيع ومحمد شمس الدين وعصام العبدالله وحسن العبدالله .... ومن الملاحظ ان هذه الاسماء التي تركت المنظمة تباعاً لم تكتب شعراً نضالياً بارزاً باستثناء بعض القصائد المغناة من قبل مارسيل خليفة كجبل الباروك لبزيع ويا علي لبيضون واجمل الامهات لحسن العبدالله .
-          في تجربة مخالفة نرى حضور بارز لشعراء خارجين من رحم الحزب السوري القومي الاجتماعي وخاصة في ادخال قصيدة النثر على الساحة العربية (تجربة مجلة شعر) : ادونيس ومحمد الماغوط ويوسف الخال رغم تخلي معظم هؤلاء عن علاقتهم بالحزب القومي لاحقاً والملاحظ ان شعرهم لم يتسم بنبرة نضالية بل كان اقرب الى اليوميات اذا استثنينا قصائد الماغوط السياسية الساخرة. في المقابل يمكننا اضافة اسم احد رواد التجديد في القصيدة العربية وهو خليل حاوي (الذي اقدم على الانتحار بعد سقوط بيروت عام 1982). ومن نفس المدرسة القومية في السبعينات يبرز اسم الشهيد كمال خير بك الذي له تجربة شعرية مميزة لم ينفصل فيها عن نضاله.
-          هذا يقودنا الى علاقة الشعر النضالي بالعمل السياسي المباشر. تجربة الشهيد انور الفطايري في الحزب التقدمي الاشتراكي مثلاً:

"بعبارتي، بالمدفع الناري، بالرشاش في كفي، بصدق مشاعري، انا نقاتل
بدماء اخواني من الشهداء، بالفرح المعطر، بالمحابر، بالخناجر
بصمود اطفالي على الغزوات، بالكسل المغامر... والمكابر... انا نقاتل..."

-          هذا التلازم هو الذي ادى الى عدم ظهور اسماء شعرية كبيرة في الحزب الشيوعي اللبناني. وكان ان من كتب الشعر من الملتزمين في الحزب قياديين ومفكرين وشهداء. كتجربة الشهيد فرج الله فوعاني في ديوانه "قادمون من الشمس".
او تجربة الشهيد مهدي عامل وهي تجربة خرج فيها من ميدان الفلسفة النظرية الى شعر فلسفي بعض الشيء وان كان الغزل يسيطر على معظم قصائده كما في ديوانه "قصة النون":

"سلام للخاشع في معهد ابطك،
بين فصائل ثدييك
وحكمة سرتك الهوجاء
سلام لأظافر قدميك
لنكهة فخذيك السريين
لهذا الليل الذاهب في الارق
ما احى هذا الحلم السري"

-          ومن الشهيد مهدي عامل الى الشهيد جورج حاوي التي جمعت قصائده بعد استشهاده وفيها من الغزل والعشق ما فيها.
صحيح ان الحزب الشيوعي اللبناني لم ينتج شعراً مهماً ولكن للقادم من الايام لا اجمل من ان نختم بشعر جورج حاوي نفسه:

معاذ الله ان أرضى بذل                    
معاذ الله أن أسجد لقيصر
أرفض أن أعيش بدون حلم                
ولا حلمي تبدد أو تبخر
أبقى ثائرا ما دمت حياً                     
وأن أسقط فعند الناس أعذر
سيأتي بعدي من يرفع سلاحا                         
بوجه الظلم للأحرار يثأر
زرعنا والحصاد بدا قليلاً                  
سيزرع بعدنا ليفيض بيدر 

عسى ان يفيض بيدرنا شعراء مناضلين في زمن القحل الفكري والشعري والثقافي.


                                                                                                احسان المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق