باتت الذكرى تمر هكذا. وردة
على الضريح في بتغرين و تجمع بجانب النصب في المصيطبة الصامد حتى الآن.
هي ذكرى. ماذا يفترض بنا ان
نفعل اكثر من ذلك. حفل فني و مهرجان خطابي.
هي ذكرى.والذكرى تأتي مرة كل
سنة او دورياً فنقيم الهمروجة ونصمت لباقي السنة.
كل هذا ليس بمشكلة. المشكلة
في تشويه التاريخ.
مع صعود جورج حاوي قبل
المؤتمر الثاني، كان تفكيره يتجه لقيادة تغيير في الحزب الشيوعي اللبناني مع مجموعة
قيادات شبابية آنذاك. التغيير كان بيستهدف قطع حبل الصرة مع الحزب الشيوعي السوري
اي آل بكداش (المستمرين لحد الآن بعونه تعالى). والتغيير كان يتضمن استقلالية عن
الموقف السوفياتي الذي فرض على الحزب اخطاء كبيرة من الموافقة على قرار تقسيم
فلسطين سنة 1948 (الذي رفضه فرج الله الحلو وسبب بكتابته رسائل نقد ذاتي كرسالة
سالم وربما فيما بعد تسبب بغض النظر عن اغتياله) وصولاً الى معاداة عبد الناصر ثم
الانصهار معه كما يريد السوفيات وحسب تقلبات السياسة العامة السوفياتية. هذه
السياسة السوفياتية التي كانت تولي اهمية كبيرة للدول و من بعدها اخيراً الاحزاب
الشيوعية لذلك سجن الشيوعيون وقتلوا من مصر لسوريا والعراق من اجل مصالح المركز مع
الانظمة التقدمية (التي لم تكن تقدمية كفاية).
هذه الاستقلالية التي سعى
حاوي لها جرت عليه اتهامات بالعمالة للمخابرات الاميركية. لكن جورج لم يستسلم وعاد
ليقود التغيير التاريخي في الحزب. واستطاع في عهده ان يصل بالحزب الى ذروة شعبيته
ودوره واهميته. منذ المؤتمر الثاني الى الانخراط في الحركة الوطنية الى انشاء
جمول.
نعم، يمكن ان يقال الكثير عن
تلك المرحلة. عن اخطاء جورج. ربما اخطأ جورج والحزب في دخول الحرب الاهلية الى
جانب طرف طائفي وربما اخطأ جورج في الانسحاب من قيادة الحزب بعد انهيار الاتحاد
السوفياتي وربما اخطأ جورج في بعض الامور الشخصية والتصرف باملاك الحزب وغيرها.
ولكن من يستطيع من كل منتقدي جورج ان ينكر انه صنع تاريخ الحزب وانه رغم اخطائه
كان العلم ولا يزال.
جورج حين اخطا لم يكن يعمل
في السياسة في السويد. كان يخوض حرباً في لبنان. كان يدافع عن المقاومة الفلسطينية
برغم اخطائها. وكان متحالفاً مع حركة وطنية بقيادة كمال جنبلاط ومن ثم وليد جنبلاط
على علاتهم وعلى علل الاحزاب المنضوية في الحركة الوطنية. وكان يقاوم بحزبه في
الجنوب وغير الجنوب عدو اسرائيلي بقدرات لا تصل الى ربع قدرات حزب الله اليوم.
وكان يتحالف تارة ويختلف تارة اخرى مع قيادة سورية بعثية تحاول اخضاع كل حركة في
لبنان لقرارتها.وكان في فترة صعود لاحزاب وتيارات اسلامية وطائفية تقضم من الحزب
ومن خيرة مثقفيه. وكان في علاقة جدلية مع اتحاد سوفياتي يسيطر على احزاب العالم
الشيوعية. وجورج في النهاية انسان قد يخطئ على الصعيد الشخصي وقد يضر بالحزب وان
كان كل ضرره لم يصل الى الحالة المتردية التي اوصلتنا اليها قيادات الحزب
المتعاقبة بعده رغم ان الظروف التي انوجدت فيها ايضاً صعبة. كل هذه العوامل يجب ان
تؤخذ في عين الاعتبار قبل ان نوجه سهامنا الى جورج وتجربته.
و على الارجح ان هذا النقد يزداد
عند المختلفين مع جورج في آخر مراحل حياته السياسية وتحديداً فترة 14 آذار. جورج
الملوع من العلاقة مع نظام البعث ربما اختار الانحياز لخروجه من لبنان وربما انتقد
طائفية المقاومة الاسلامية التي تقع اليوم في اوحال بسببها. ولكنه ظل رمزاً جامعاً
لكل الشيوعيين واليساريين الحاليين والسابقين. حادثة انتخابات الشمال ودفعه جميع
الشيوعيين باتجاه التصويت لالياس عطاالله وعطا جبور اكبر دليل على محاولته جمع شمل
الشيوعيين.
اخطأ جورج ربما ولكن سجله
الناصع يغطي على بضع نقاط سوداء في مسيرته فيما يغطي السواد كل من يحاول ان ينتقده
اليوم ويشوه تاريخه.
دعوا الشهيد جورج يرتاح ولا
تصوبوا على ماض مضى. خاصة وان حال الحزب اليوم في الحضيض. دعوه ينام مطمئناً الى ان البيدر سيفيض يوماً ما. كما قال جورج الشاعر :
معاذ الله ان ارضى بذل معاذ الله ان اسجد لقيصر
سآرفض ان اعيش بدون حلم ولا حلمي تبدد او تبخر
سآبقى ثائرا ما دمت حيا وان اسقط ، فعند الناس اعذر
سياتي بعد من يرفع سلاحا بوجه الظلم للاحرار يثار
زرعنا و الحصاد بدا قليلا، سيزرع بعدنا ليفيض بيدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق