شيوعي بالجبل. امر ليس غريباً يا رفيق سامي كشيوعي
بالشرقية خاصة في السبعينات والثمانينات.
الجبل كان من ضمن المناطق
"الوطنية" واليسارية، وكان هناك نزعة يسارية كبيرة. ورغم الوجود الاكبر
للحزب التقدمي الاشتراكي الذي قاد اليسار حينها كونه لا يزال يسارياً وخاصة ايام
المعلم الشهيد كمال جنبلاط فقد كان هناك
تواجد بارز لاحزاب اخرى كالقومي والشيوعي والبعثين السوري والعراقي والديموقراطي
الشعبي و الناصريين مع بعض المنضوين في الفصائل الفلسطينية.
والحقيقة ان التحالف التاريخي بين الحزبين
الاشتراكي والشيوعي قد اتاح تداخلاً كبيراً بين الحزبين. ففي عائلتي الاشتراكية
كان شيئاً طبيعياً ان تجد كاسيت قديم كجبل الباروك لمارسيل خليفة والميادين مهدى
لكمال جنبلاط او ان تجد مؤلفات ماركسية صادرة عن دار التقدم آنذاك احضرها الوالد
من الاتحاد السوفياتي. هكذا ايضاً عندما تسمع اخبار المقاتلين لا تميز بين الشيوعي
والاشتراكي خاصة ان الاثنين كانا منضويين في جيش التحرير الشعبي – قوات الشهيد
كمال جنبلاط ويصبح امراً عادياً حين تعرف
ان معركة بحمدون في حرب الجبل بدات بعملية استشهد فيها احد الرفاق الشيوعيين من
الجبل مع شهداء اشتراكيين. هذا عدا عن ان قريتي كانت معقل رئيسي للشيوعيين في
الجبل ومنها خرج شهداء ومقاومون واسرى في الحزب وفي جبهة المقاومة.
كل هذا من الناحية الايجابية جيد. ولكن الحياة
ليست بهذه الايجابية. ففي مرحلة ما وكما حصل عندك ذاك الوعي والحشرية، دفعتني
حشريتي الى الغوص اكثر في البحث عن الشيوعية فمن اغاني خالد الهبر والشيخ امام الى
البيان الشيوعي الى صوت الشعب الى النقاشات السياسية الى الخلية التي اسسناها في
الجامعة. اصبح بامكاني ان اقول انا شيوعياً اثناء تشييع الشهيد ابو انيس. حينها
تخطيت هذا الحاجز الفاصل بين الشيوعية والاشتراكية.
وحين تخطيت ذلك الحاجز في الزمن الصعب، كان
الخلاف عميقاً بين الشيوعيين والاشتراكيين وكان عليك ان تدافع عن وجهة نظرك وتصبح
كشيوعي في الشرقية او في منطقة لبنانية اخرى تحت الضغوط الطائفية والاجتماعية.
اكثر من ذلك كان عليك ان تفسر لجدتك "انو الشيوعيين ما بينامو مع
اخواتون" و ان هناك تيارات سياسية خارج الصراع اليزبكي-الجنبلاطي الممتد من
600 سنة وان تدافع امام آخرين عن وجهة نظر الشيوعيين الى الدين. وكان عليك ان تفسر
سبب انهيار الاتحاد السوفياتي وتنتقد ارتكابات ستالين في سيبيريا. وتبرر لآخرين
سبب زيارة امين عام الحزب الى سوريا في وقت كان وليد جنبلاط يقضي معظم اوقاته في
سوريا وان تشرح كيف خاض انور ياسين المعركة في الجنوب بوجه التحالف الرباعي وكان
عليك ان تدافع في حرب تموز عن حزب الله و"الشيعة" في وقت كان البعض يؤيد
اسرائيل علانية وكان عليك ان تفسر اقتناعك بفكرة المقاومة مع تحليل نقدك لمقاومة
مذهبية ارتكبت خطيئة في 7 ايار بانجرارها الى الداخل. وكان عليك ان تشرح دعمك
للثورات العربية كاملة بغض النظر عن التدخلات الخارجية والرجعية وتحديداً في سوريا. وكان عليك ان تشرح عدم تقيدك بقرار قيادة في حزب فيه من الديموقراطية اكثر
مما في احزاب اخرى تنقاد لراي الزعيم.
وكان عليك ولا يزال عليك الكثير ولكن بسيطة.
"لانو يللي بدو يمشي هالمشيات بدو يوقع هالوقعات".
وحين تلتزم 88 سنة فيها فرج الله الحلو وجورج
حاوي، وفيها مهدي عامل وحسين مروة، وفيها جمال ساطي ولولا عبود، وفيها انور ياسين
وسهى بشارة، وفيها زياد الرحباني ومارسيل خليفة، وفيها وردة بطرس وفرج الله حنين،
وفيها الكثير الكثير مما لا نستطيع ان نذكره. حين تلتزم لا يمكنك التراجع ولا
يمكنك الا العمل للتقدم.