"العرب يسمعون الموسيقى بارجلهم وليس باذنيهم". هكذا كانت تقول لنا معلمة اللغة العربية في المدرسة الثانوية وكم كانت محقة.
مؤخراً بدات تتردد على اسماعي اصداء لاغنية اسمها "طلقني يا عبدو". في البدء لم آخذ واعطي في الموضوع كثيراً لاني لا استمع مطلقاً الى هذا النوع من الاغاني (ولا لاي نوع من البوب او الموسيقى التجارية باي لغة كانت عربية او انكليزية او غيرها). لكن شعبية هذه الاغنية دفعتني الى البحث عنها والاستماع اليها. فاكتشفت مصيبة جديدة تخطت مصيبة "الترشرش" باشواط.
اغاني لا معنى لها مطلقاً من ناحية الكلمات. اما موسيقياً فحدث ولا حرج. الشيء الوحيد المهم فيها هو انها تصلح للدبكة والقبائل العربية تحب الدبكة والرقص. فقط احضر لهم طبلاً وسترى ما يدهش العالم. مهما كانت الكلمات واللحن المهم ان ندبك ويدب الحماس كما لم يدب حين اغتصبت فلسطين.
ولا غرو انهم لا يكترثون بالكلمات واغاني محمد اسكندر الذكورية اكبر دليل عن الموضوع. اما شتائم كارلوس فهي صالحة للرقص رغم ان الشتائم غير محبذة امام البنات في العرف الشرقي "بس انو مهضومة والله بالاغاني".
طبعاً هذه الاغاني المنحطة هي تعبير عن ثقافة منحطة تنخر في جسد المجتمع تشجعها الرأسماليات العربية (من روتانا الوليد بن طلال واشباهه) عبر فضائياتها واذاعاتها التي تنخر في اجسادنا 24 ساعة في اليوم.
القطيعة الكبرى التي تواجهها هي حين تحاول عزف موسيقى غير تجارية. طبعاً لسنا نتكلم عن الفن الملتزم فقط من مثل مارسيل خليفة والشيخ امام وزياد الرحباني وخالد الهبر وسامي حواط وسميح شقير وغيرهم فهذه الاغاني تتبنى رؤيا سياسية-فكرية واضحة في يساريتها وقد تزعج اليمينيين والغير مكترثين. انما اي نوع خارج عن النمط السائد. فاغاني الراب والروك غربية وغير محبذة خاصة اذا عالجت موضوعات اجتماعية ووطنية (اما التكنو فحلال شرعاً "لانو بيرقص"). اما اغاني الطرب والتراث فهي ايضاً غير محبذة لانو"بتنعس". اما الموسيقى البحتة فهي كفر في عرف الدبيكة "وين الغنا ولا". دبكة فقط لا غير. حب وهجران لا موضوعات اخرى ارجوكم.
كنت اختبرت هذه التجربة من منطلق شخصي فمجرد ان احمل الغيتار كان اول سؤال يطرح. هل يمكنك ان تعزف اغنية ما لهيفا على الغيتار "بدنا نرقص واذا لا بركي شي لعلي الديك: فيروز شو هالزبالة هيدي". وتعمقت هذه التجربة حين تعزف في اطار فرقة.
تحاول عزف "اهو ده اللي صار" لشيخ الموسيقى العربية سيد درويش فيطالبون ب"طلقني يا عبدو".
تغني موشح "لما بدا يتثنى" فيطالبون ب"طلقني يا عبدو".
تعزف "خطار" من التراث العراقي بتحديث الهام المدفعي فيطالبون ب"طلقني يا عبدو".
المهم ان تدبك القبائل وخاصة في الارياف. واذا لم ترد الدبكة معنا فانت طالق بالثلاثة من هذا المجتمع وانحطاطه.
انا طالق ورافض وسابقى خارجاً عن قوانينكم.
" طلقني يا عبدو" من هذا المجتمع وموسيقاه وكذبه ونفاقه وغبائه. "يا عبدو طلقني".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق