-
كما كل سنة
يطل علينا المخرج الفلسطيني-السوري باسل الخطيب بمسلسل رمضاني يعنى بقضية وطنية.
فبعد مسلسل "انا القدس" الذي يروي سيرة مدينة القدس و بعد مسلسل
"عائد الى حيفا" عن رواية الكاتب الشهيد غسان كنفاني وبعد مسلسل
"رسائل الحب والحرب" الذي يتطرق الى قصة ضابط سوري اثناء مرحلة اجتياح
لبنان عام 1982 الى مسلسلات "ناصر" و "نزار قباني" وغيرها... اخرج
الخطيب هذا الموسم مسلسل "الغالبون" الذي يسرد المراحل الاولى من تاسيس
المقاومة الاسلامية اي حزب الله بين 1982 و1985.
-
المسلسل الذي كتب نصه د. فتح الله
عمر وينتجه مركز بيروت للإنتاج والتوزيع الفني جمع نخبة من النجوم اللبنانيين،
ومنهم عبد المجيد مجذوب، أحمد الزين، سميرة بارودي، كريستين شويري، دارين حمزة،
مازن معضم، مجدي مشموشي، عمار شلق، وبيار داغر.
-
من الناحية الفنية يمكننا القول ان
العمل مميز ويمكن ان يشكل نقطة انطلاق للدراما اللبنانية نحو العالم العربي (مع
مسلسل "باب ادريس"). اتقن الخطيب كعادته الاخراج من مكان التصوير في
الجنوب اللبناني اي في بيئة المقاومة الاصلية الى اللغة العبرية التي استخدمها الضباط
الاسرائيليون في المسلسل الى اللهجة الجنوبية التي تكلم بها الاهالي. ومن عمليات
المقاومة (عملية الشهيد احمد قصير وتفجير العبوات) الى حياة المعتقلين والاسرى
(معتقل انصار...). ومن الاضاءة على المصاعب اليومية للجنوبيين الى التطرق لموضوع
العمالة للعدو. كلها تفاصيل تميز بها العمل الذي لا يخلو من هنات سنذكرها لاحقاً.
-
اما من ناحية
السيناريو فيمكننا ان نوجه نقد كبير الى المسلسل بالدرجة الاولى لاغفاله ادوار
الاحزاب والحركات اللبنانية المختلفة في المقاومة. ينسى العمل ان المقاومة
اللبنانية تاسست على يد الاحزاب اليسارية عبر جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عام
1982 (بل يمكننا ان نذكر قبل ذلك : الحرس الشعبي عام 1969 و"جبهةِ المقاومة الشعبيّة لتحرير الجنوب من الاحتلال والفاشيّة" عام 1978).
-
واذا ركزنا على فترة العمل الزمنية من 1982 وصعوداً لا يمكن الا ان
نؤكد الدور الرئيسي لقوى المقاومة الوطنية وتحديداً الحزب الشيوعي ومنظمة العمل
الشيوعي و الحزب السوري القومي والتنظيم الشعبي الناصري بالاضافة الى حركة امل وهو
دور بدأ من بيان جمول المذيل بتوقيع جورج حاوي ومحسن ابراهيم الى عملية خالد علوان
في الويمبي وعملية محطة ايوب حتى عمليات الاستشهاديين و الاستشهاديات من لولا عبود
ووجمال ساطي و سناء محيدلي ووجدي الصايغ و ووفاء نور الدين .... كل هذا يغفله
المسلسل ويغفل دور المقاومة في الدفاع عن بيروت ومعركة خلدة بل ويحجم ادوار اليسار
اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية فيهما.
-
قد يقول قائل ان المسلسل يتطرق الى قصة المقاومة الاسلامية فقط ولكن
كل هذا لا يبرر تجاهل الحركات الاخرى خاصة اذا علمنا ان المقاومة الاسلامية كان
دورها خافتاً ما بين 82 و85 وكان الدور الرئيسي للاحزاب المذكورة آنفاً في تحرير
بيروت والجبل وصيدا والبقاع الغربي مع ضعف تواجد المقاومة المحكومة مذهبياً في هذه
المناطق.
ماذا كان سيحصل لو ذكر العمل هذه الاحداث ولو لماماً (فيلم ناجي العلي
لنور الشريف ذكر عملية خالد علوان مع انه يروي سيرة ناجي العلي) هذا ما يجعلنا نشك
في نية ما لمنتجي العمل.
هذه النية ستتأكد في باقي تفاصيل العمل التي تظهر البعد الايدولوجي
للاسلام الشيعي: معركة خلدة وبيروت خسرت لان المقاومين كانوا يفتقدون للايمان كما
في شخصية ناصر(مجدي مشمشوشي) وهو ما سيتغير لاحقاً حين يعود للصلاة والتدين –
الاحزاب الوطنية استسلامية (شخصية ناجي في الحلقات الاولى) ومستعدة للتسليم
للاسرائيلي – البنت غير المحجبة (سعاد) عميلة
للاسرائيلي – التركيز على اظهار طائفة محددة بدور عميلة للاسرائيلي
(رمزي واخته) مع ان العمالة لا دين لها- التركيز على دور الشيخ راغب حرب (عمار
شلق) في القيادة – معتقل انصار الذي ضم معتقلين من كافة التيارات لا يظهر فيه الا
المقاومين الاسلاميين والبقية عملاء – دور التكليف الشرعي - الخ.....
-
نحترم دور المقاومة الاسلامية
منذ بدايتها حتى التحرير عام 2000 و حتى حرب تموز 2006. ولكن انتصارات المقاومة
هذه حصلت بفضل جهود كل فئات الشعب وليس فقط حزب الله.
وكان السيد حسن نصرالله قد طالب منذ فترة في احدى خطاباته بن يكتب
تاريخ المقاومة على ان تشكل لجنة من كل الاحزاب لكتابته لكن يبدو ان هذه الكتابة
حصلت مع اهمال بقية الاحزاب.
هي هنة اخرى تقع بها المقاومة الاسلامية من هناتها مع النظام السوري
في مذهبة المقاومة واحتكار الجنوب وقتل المقاومين والدخول الى زواريب السياسة
اللبنانية وفرض نمط حياة معين في المناطق الشيعية (منع الكحول هو جزء منها على
سخافته ).
-
وهنا تكمن المسؤولية على الاحزاب اليسارية وعلى محبي جمول ان يعيدوا
الاضاءة على هذه المرحلة بما يعطي لشهداء الجبهة واسراها ومناضليها حقهم. وهذه
الاضاءة قد تكون عبر عمل سينمائي او تلفزيوني او اذاعي او مسرحي او ادبي او
غيره... صحيح ان الامكانات المادية معدومة (ولا دعم لا من ايران ولا من غيرها)
ولكن كل هذا لا يبرر التقاعس. فلنوحد جهودنا للقيام بمثل هذا العمل ولو عبر تبرعات
فردية.
- لا شك ان التاريخ يكتبه الغالبون وهو ما فعله حزب
الله بتحيز واضح. ولكننا وباعتبارنا جزء من القوة الغالبة لا بد ان نكتب جزء من
هذا التاريخ لنضيء على مستقبلنا على مستقبل لوطن علماني حر عربي وديموقراطي كما
تمناه شهداء جمول.